الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد، أيها الناس اتقوا الله واشكروه، فإن شكره ضمان لبقاء النعم واستمرارها، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]، وأعظم نعم الله علينا في هذه البلاد نعمة الإسلام ونعمة التوحيد دولة قامت على الكتاب والسنة منذ عهد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله منذ مئتي سنة وزيادة وهي مستمرة ولله الحمد وستستمر ما دامت متمسكة بهذا الأصل التي قامت عليه ولن يضرها من خالفها ولا من خذلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى ، إن هذه البلاد ولله الحمد تنعم بنعمة الأمن والاستقرار، والإيمان ووفرة الأرزاق، وهذا من الله سبحانه، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل:53]، فهو المنعم بكل النعم، ولا يريد منا إلا الشكر والثناء، والحمد له سبحانه وتعالى، (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]، هذه البلاد محسودة من قبل الأعداء، من كفار ومنافقين، وأذنابهم ممن ينادي بصوتهم، وينعق بكلامه، فهي مستهدفة في عقيدتها، ومستهدفة في أمنها واستقرارها، ومستهدفة في شبابها وأبناءها، فلا يزال غزو الكفار يتوالى ويتنوع لهذه البلاد كما تعلمون، فهم يغزون العقيدة لإفسادها، ونشر البدع والشرك بالله عز وجل، ولكن والحمد لله لا يزال في المسلمين في هذه البلاد وفي غيرها من يرد هذه المكائد ويدحضها بحجج الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، وهي مغزوة أيضاً في أمنها واستقرارها، وأنتم تشاهدون الحملات تلو الحملات، يدسون علينا من المتشددين بإسم الإسلام، ومن أبنائنا من يحمل هذا الفكر الضال، ويريد تقويض هذه البلاد وأمنها، ويمدونهم بالسلاح المتنوع، كما تعلمون ذلك مما ينشر بين الحين والآخر مما يعثر عليه مما يخزَّن ضدكم، وعلى يد بعض من يسكن هذه البلاد من الطوائف المنحرفة والمعادية لمذهب أهل السنة والجماعة، حتى إنهم يدفنون هذه الأسلحة في المقابر، وفي المزارع، وفي البيوت، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، ومن هذا الغزو، الغزو الفكري بتضليل الشباب بأفكار منحرفة، إما بالتشدد والغلو ومذهب الخوارج، وإما بالإنحلال والإنحراف في الفكر كما عليه الليبراليين والعلمانيين وأصحاب الفكر المنحرف من أبناء المسلمين، فيغزون هذه البلاد في عقيدتها، وفي أمنها واستقرارها، وفي أخلاقها الموروثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يفسدون عقول الشباب، أولاً يفسدون أدمغتهم ويحشونها بالأفكار المنحرفة المضادة لهذا الدين، وثانياً يفسدون عقولهم بالمفترات من الدخان والقات، ومن المسكرات من أنواع الخمور، وأشد من ذلك المخدرات بأنواعها تأتي بحملاتٍ كبيرة، وتأتي بكميات كثيرة ومتكررة، كما يكشف لكم في وسائل الإعلام مما يضبط ولله الحمد، فهم يكيدون لهذه البلاد بشتى أنواع الكيد، وكل ذلك ولله الحمد يدحض، ويردون على أعقابهم خاسئين خاسرين ما دمنا متمسكين بهذا الدين، وقائمين عليه خير القيام، فهم يفسدون شبابنا، يفسدون أفكارهم، ويفسدون عقولهم، والإنسان بعقله، إذا زال العقل وفسد العقل فلا فائدة من الإنسان من لحمه ودمه وجسمه، بل يصبح مريضاً عالةً على مجتمعه، وأنتم تعلمون أن المجتمع بالله ثم بشبابه، فإذا فسد الشباب وانحرفوا انهدم المجتمع، وهذا ما يريده الكفار بحملاتهم، الحملة تلو الأخرى، يكيدون كيداً، والله جل وعلا يكيد لهم، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق:15-17]، ما زال الكفار منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وما زال المنافقون، ما زال الجميع يكيدون لهذا الدين، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]، فما دمنا متمسكين بهذا الدين وهذا المنهج القويم فإنهم لن يدركوا مطلوبهم، لأن هذا الدين ولله الحمد عصمة لمن تمسك به، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، فهو عصمة وملاذ ومنجاة من كيد الكائدين، إنهم كما تعلمون يروجون هذه المخدرات، ويأتون بها بكميات كبيرة من هنا وهناك، لا يفترون ولا ييأسون، وإذا منعوا من جهة أتوا من الجهة الأخرى، ويجنِّدون من أهل هذه البلاد من أصحاب الشهوات وأصحاب المطامع يغرونهم بالمال فيقومون بترويج هذه المخدرات بينكم وعلى أبنائكم، يتخللون إلى التجمعات في الإستراحات وفي غيرها، فيوزعون هذه المخدرات بإسم أنها تفيد الاستراحة في الفكر، وتذهب الهموم والأحزان، إلى غير ذلك، ويروجون المسكرات أو يصنعونها عندنا في مصانع خفية، والحمد لله حكومتنا أيدها الله بنصره، ورزقها الاستقامة على دينه، لا تزال يحبط الله بها هذه المكائد، وهذا الغزو الكافر الخاسر، ولكن هذا يستدعي منا التعاون مع دولتنا، وأن نكون حذرين ومتيقظين، وأن نراقب هذه الفئات الغازية، كلاً بحسب ما يستطيع، وما يطلع عليه، ولا نتستر عليهم، إن العلماء حكموا على مروج هذه الخمور الذي يبيعها ويروجها وعلى من يستوردها حكموا على مروج هذه الخمور الذي يبيعها ويروجها، وعلى من يستوردها، الإثنين بالقتل، لأنهم يسعون في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين، وكان بذلك ولله الحمد رادعٌ لهم، وكان هذا الحد الذي يقام رادعاً لهم ولله الحمد، لكن علينا أن نتعاون مع دولتنا وولاة أمورنا، لأن المصلحة للجميع، والأمن للجميع، والبلد بلدنا، نحافظ عليها، فنتعاون معهم لنصرة هذا الدين، ولحماية هذا الوطن، وأيضاً نضبط أولادنا وبناتنا، حتى البنات يُذكر أنه فشى فيهن استعمال المخدرات مع الأسف، حتى البنات وصلت إليهن المخدرات، وهذا مايريده الأعداء للمسلمين، (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118]، فعلينا الحذر من الكفار ومن أعوان الكفار من المنافقين، ومن الفسَّاق، ومن أصحاب الفكر المنحرف، أن نتعاون في صدهم عن هذه البلاد، التي شرفها الله بالإسلام، فهي مهبط الوحي، وهي مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، فيها الحرمان الشريفان، مكة والمدينة، مكة فيها الكعبة بيت الله العتيق، الذي تهفو إليه أفئدة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، يستقبلونها كل يوم، يستقبلونها في اليوم والليلة خمس مرات وفي ما شاء الله من صلاة التطوع، يتجهون إلى الكعبة، وهي في مكة، في بلدكم والحمد لله، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان مدرسة الإسلام الأولى، تخرج منه المجاهدون، تخرج منه الدعاة، تخرج منه العلماء، تخرج منه الغزاة والمجاهدون والأبطال، الذين فتحوا المشارق والمغارب للدعوة والجهاد، حتى ظهر دين الله في المشارق والمغارب، فهذه البلاد ليست كغيرها، قامت بها دعوة التوحيد على يد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعدما اندرست، وبعدما دخل عليها الدخيل من البدع والخرافات والشركيات، قام هذا المجدد بتوفيقٍ من الله عز وجل وبمؤازرةٍ من الحكام، فجدد هذا الدين في هذه البلاد، وعادت ولله الحمد تعيش تحت ظل هذه الدعوة المباركة، نسأل الله جل وعلا أن يديمها علينا، وأن يبصَّرنا بها، وأن يمسَّكنا بها، وأن يكفينا شر أعداءنا، إنه سميعٌ مجيب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران:149-150]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد، أيها الناس اتقوا الله تعالى، إن الواجب علينا جميعاً، ليس الواجب على ولاة الأمور فقط، ولا على المسؤولين فقط، بل كل مسلمٌ عليه واجبٌ نحو هذا الدين، ونحو هذا البلد والمجتمع، كلٌ عليه واجب بأن يقوم بما أوجب الله عليه من مراقبة هذه الفئات الضالة، وهذه الموارد المنحرفة، نقوم عليها، ونحذّر منها، ونبلِّغ عنها، ولا نتستر عليها، وأيضاً نحفظ أولادنا، لأن المغزوون هم أولادنا وبناتنا، هم المغزوون، لأنه إذا فسد الأبناء والبنات فسد المجتمع وآل إلى الخراب، فعلينا أن نحافظ على ديننا، أن نحافظ على أمننا، أن نحافظ على أولادنا، وهذا يستدعي منا اليقظة والانتباه دائماً، ولا يكن نصيبنا من هذا التحدث عنه في المجالس وإلقاء اللوم على فلانٍ أو علاّن، كلنا مسؤولون عن هذا، وكلٌ عليه أن يبلغ مايرى وما يطلع عليه حتى تصان هذه البلاد وتحفظ عليها هذه النعمة، فإن الأعداء مافتئِوا ولا يفترون دائماً وأبداً يكيدون لهذه البلاد، لأنها مركز الإسلام، هي مركز العالم الإسلامي الآن، فلا قدَّر الله لو أن هذه البلاد انهارت انهار المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، لأنها هي مركز العالم الإسلامي، لما فيها من الحرمين الشريفين، لأنها مصدر الدعوة، لأنها مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها هي التي شعَّ منها النور على مشارق الأرض ومغاربها، وهم يريدون أن يطفئوا هذا النور، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]، ثم اعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، تعاونوا واجتمعوا على الخير، إن ولاة حينما يطلعونكم على ما يعثرون عليه من الأسلحة ومن المخدرات، لا يريدون منكم أن تطلعوا فقط، وإنما يريدون منكم أن تقوموا بواجبكم نحو هذه الخيانات، ونحو هذا الغزو الخبيث، أن تقوموا بواجبكم، هذا هو القصد من إظهار هذه المواد، أو الأسلحة التي تظهر في وسائل الإعلام، يحرِّضونكم على أن تقوموا بواجبكم، ولو تعاون المسلمون فيما بينهم ماوجد المفسد مجالاً بينهم، ولكن إذا تخاذلوا وتغافلوا، وكل واحد منهم ألقى باللائمة على غيره، وصار عرض هذه المواد وهذه الأسلحة إنما هو للفرجة فقط، فحينئذٍ تفسد الأمور ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعلينا جميعاً أن نكون يداً واحدة، وجماعةً واحدة، وعيناً واحدة، وسمعاً واحداً، لديننا ومجتمعنا وأمننا واستقرارنا، علينا أن نتوكل على الله، وأن نستعين به، وأن نحافظ على هذه النعمة العظيمة التي أسداها الله علينا، ولا نكن كمن قال الله فيهم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ* وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [النحل:112-113]، فلنتق الله في أنفسنا، ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة، وعلينا جميعاً أن نتناصح وأن نتواصى، وأن ننصح لولاة أمورنا، وأن نتعاون معهم، في حفظ هذه البلاد، في عقيدتها، في أمنها، استقرارها، أن نكون يداً واحدة، فعلينا جميعاً أن نشعر بهذا الشعور الذي حمَّلنا الله إياه، فالمسلمون كالجسد الواحد، وكالبنيان الواحد، يشدُّ بعضُه بعضاً، اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم أيِّدهم بالحق، وأيِّد الحق بهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، اللهم ارضَ عن صحابة رسولك، اللهم ارضَ عن صحابة رسولك أجمعين، ونخصُّ منهم أبابكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلياً، رضوان الله عليهم أجمعين، ونسأله أن يرزقنا الإقتداء بهم، والسير على نهجهم إلى يوم الدين.
عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نِعمَه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.