الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الجد والتشمير وسلم تسليما كثيرا أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى وإن انتهت أشهر الحج، فإنه يعقبها شهر الله محرم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم بل إن هناك بل إن هناك فريضة عظيمة تتكرر علينا في اليوم والليلة خمس مرات، ألا وهي الصلوات الخمس التي كتبهن الله على العباد، وفيها من الفضائل ما لا يعلمه إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام من استطاع إليها سبيلا فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام التي لا يقوم إلا عليها، قال صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروت سنائه الجهاد في سبيل الله ، وهي الفارقة بين المسلم والكافر كما قال صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه أهل السنن .
فالصلاة هي عمود الإسلام، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله، فإن قبلة قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله، قال الله جل وعلا: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، فذكر في الصلاة فائدتين عظيمتين:
فائدة الأولى: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالذي يحافظ عليها يحافظ على دينه، والذي يضيعها يضيع دينه، يصبح لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، لأن من ترك الصلاة سهل عليه كل شيء من المحرمات والمعاصي ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفائدة الثانية فيها: أن فيها ذكر الله سبحانه وتعالى، وهذا أكبر (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فالصلاة ذكر لله عز وجل، فالصلاة يستعان بها على مشاق الحياة، وعلى الهموم وعلى مضايق الأمور، قال الله جل وعلا (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالصلاة أمرها عظيم، ومقامها عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فمن أراد أن يعرف قدر الإسلام في نفسه فلينظر إلا قدر الصلاة، فإن كان يعظم الصلاة ويهتم بها، فإنه يكون مهتم بالإسلام ومعظم له ، من كان متهاونا بالصلاة فإنه يتهاون فيما سواها من باب أولا ، ولهذا جهله الله تتكرر في حياة المسلم في اليوم والليلة خمس مرات، ولا بد أن تؤدى في مواقيتها من الليل والنهار قال صلى الله عليه وسلم: إن لله عملا في النهار لا يقبله في الليل وإن له عملا في الليل لا يقبله في النهار ، فلا يجوز للمسلم أن يتلاعب بالصلاة وأن يصليها على حسب هوائه فراغه، بل يؤديها في مواقيتها قال الله جل وعلا: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)، المحافظة عليها تعني أن تؤدى في مواقيتها التي حددها الله لها من الليل والنهار ولا يتلاعب بها، فإن من الناس من لا يصلي أبداً يترك الصلاة متعمداً وهذا كافر، كما دله عليه الآيات والأحاديث كافر بالله عز وجل، وإن ادعى الإسلام، ومن الناس من يصلي لكنه لا يصليها في مواقيتها فهذا مضيع لها، قال الله جل وعلا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً* إِلاَّ مَنْ تَابَ)، والغي: وادي في جهنم شديد حره، بعيد قعره، والعياذ بالله، وقال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) وتضيع الصلاة والسهو عنها فهو تضيع للوقت لأنه يصلي كما قال الله جل وعلا: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) فهو يصلي لكن لا يصلي في الوقت فهو مضيع لصلاته، ومتوعد بهذا الوعيد الشديد، ومن الناس من يصلي في الوقت لكنه لا يصلي مع الجماعة، ولا يجيب النداء فقد قال صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ، قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض ، فصلاة الجماعة في المساجد واجبة على المسلم، فلا يتلاعب الشيطان بالمسلم، ويضيع عليه صلاته، ومن الناس من يصلي مع الجماعة لكنه يتأخر حتى يفوته بعضها أو تفوتها كلها، ويصلي وحده أو مع جماعة مثله متأخرين عن صلاة الجماعة، وهذا تفريط عظيم، يُخشى على المسلم أن يضيع الصلاة نهائيا، لأنه إذا تساهل فيها، فإنه يضيعها في النهاية ويتركها في النهاية، لأنه متبع لخطوات الشيطان، فالشيطان يتدرج به في هذه الأحوال مع الصلاة فلا بد أن يحزم المسلم نفسه وآمره مع الصلاة يهتم بها، لأنها هي نجاته ، لأنها هي دينه، لأنها هي أول ما يحاسب عنه يوم القيامة من عمله فيهتم بها، وإذا اهتم بها وحافظ عليها، فإنه ينال الفوز العظيم في الدنيا والآخرة تسهل عليه جميع الطاعات، وتكره إليه جميع المعاصي والسيئات: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، فالمصلي والمحافظ على صلواته يظهر آثر ذلك عليه، وأما المضيع والمفرط بصلاته فيظهر ذلك عليه، وهذا واضح للعيان في أحوال الناس،
فالواجب على المسلم أن يهتم بهذه الصلاة في مواقيتها، ومع الجماعة وأن يداوم عليها، أما أن يصلي بعض الأوقات، ويترك الأوقات الأخرى، صلي بعض الصلوات ويترك الصلوات الأخرى، فهذا لا يقبل منه صلاته التي صلاها، لأنه لم يحافظ على صلاته، ومن ترك صلاة واحدة فهو كمن ترك جميع الصلوات، ومن الناس من لا يصلي إلا يوم الجمعة ويظن أن صلاة الجمعة تكفيه صلاة الجمعة، إذا ضيع الصلوات لا تقبل منه صلاة الجمعة، ولا تصح منه فلا بد أن يحافظ على الجمع وعلى الجماعات وعلى جميع الصلوات ليحفظ دينه، وليجد الفائدة العظيمة في الصلاة، الصلاة نور وبرهان وحجة عند الله سبحانه وتعالى فلماذا يتهاون بها ؟ إلا من أطاع الشيطان وأطاع نفسه الأمر بالسوء، فعلى المسلم أن ينظر في موقفه مع الصلاة أن يحافظ عليها، والشيء بالاعتياد، فإذا عود الإنسان نفسه على المحافظة على الصلاة سهلة عليه، وألفها وصار يحن إليها، أما إذا فتح لنفسه باب التساهل فإن الشيطان يعدوه إلى سحيق بعيد والعياذ بالله .
فالواجب على المسلم أن يهتم بتلك الصلوات الخمس قال عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإن هذه الصلوات من سنن الهدى، إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، وقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولو أنكم صليتكم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم، لضللتم وإن الرجل ليؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، قال الله جل وعلا في المنافقين: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)، فتقوا الله عباد الله في صلاتكم ما بقي عند كثير من الناس من أمور الإسلام إلا هذه الصلاة، فإذا ضيعها أو تهاون بها لم يبقى عنده دين أبدا، كانت آخر وصية لنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الرمق الأخير من حياته عليه الصلاة والسلام، يعاني من سكرات الموت، فإذا أفاق قال: عباد الله الصلاة، الصلاة وما ملكت إيمانكم، ما زال يكررها حتى ثقل لسانه عن النطق بها عليه الصلاة والسلام، اتقوا الله عباد الله حافظوا على صلواتكم لتكونون من الذين قال الله تعالى فيهم:(والذين هم على صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه نشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد
أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولا تعصوه، وتمسكوا بالإسلام من العروة الوثقى، التي هي كلمة لا إله إلا الله كررها وأديموها نطقاً، واعتقاداً، وعملاً، فإنها هي العروة الوثقى، فمن يستمسك بالعروة الوثقى فمن استمسك بها كما استمسك بالإسلام، هي العروة الوثقى التي لا انفصال لها فتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله من البدع التي حدثت في هذا الزمان في هذا الوقت بالذات، ما ينشر في بعض الجولات، أو في الانترنت، أو يتناقله الناس في هذه الأيام التي هي آخر السنة الهجرية بداية السنة المقبلة، يوصون بعبادات ما أنزل الله بها من سلطان، يوصون الصيام في آخر العام، يوصون بالتوبة، يوصون بأشياء هذا ما أنزل الله به من سلطان لا يخص، لا تخص هذه الأيام بشيء لأنه لم يرد دليل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة فحذروا من هذه الترويجات وهذه الإشاعات وحذروا منها، فإنها شر وتجر إلى شرور، وإلى بدع أخرى، فلا يتساهل في أمر البدع، ليقال هذه عبادة هذه طاعة نعم العبادة والطاعة لا بد أن يكون عليها دليل من كتاب الله ومن سنة رسوله ومن عمل السلف الصالح أما أننا نبتدع بدع ونقول هذه عبادات هذه بدع ليست عبادات، البدعة ليست عبادة فلا نتذكر هذا ولنتقى الله سبحانه وتعالى.
وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] .
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍك إلى يومِ الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مستقراً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، اللهم من أوقع الفتنة بين المسلمين اللهم من أوقع الفتنة بين المسلمين يريد تشتيت جماعتهم، وتفريق شملهم، اللهم مزق أعضائه، اللهم شتت شمله، اللهم اجعل كيده في نحره، إنك على كل شيء قدير، اللهم احفظ علينا آمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا، وجعله هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أدفع عنا وعن المسلمين من البلايا والفتن ما لا يدفعه سواك يا رب العالمين، اللهم رد عنا كيد الكائدين وتدبير الفاسقين والمنافقين والمشركين إنك على كل شيء قدير، اللهم أحمي بلادنا، الله أحمي أمننا واستقرارنا، اللهم احمي قبل ذلك كله أحمي لنا ديننا الذي به عصمة أمرننا يا رب العالمين .
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون .