بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في هذا الذي سمعنا قبل قليل بيان حالة الرسول صلى الله عليه وسلم في الإنفاق وهو كتكملة للباب السابق.
النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم كانت تأتيه الأموال من المغانم ومن الفيء الأموال الكثيرة ولم يكن يدخر منها شيئا لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ بل كان ينفقها في سبيل الله، ويعيش هو عيشة الفقراء، يعيش عيشة الفقراء مع ما يأتيه من الأموال الطائلة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم كان ينفقها في سبيل الله إما للتأليف على الإسلام فيعطي المؤلفة قلوبهم حتى يقوى إيمانهم، وحتى يُسلم من يرى عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في العطاء، ثم يدخل الإيمان في قلبه فيصبح الإيمان أحب إليه من المال، والمؤلفة قلبوهم لهم نصيب من الزكاة، وكذلك يعطي المال للفقراء والمساكين المنقطعين: (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ)، و(لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ)، فكان صلى الله عليه وسلم يتعاهدهم بالعطاء.
وكذلك كان ينفق على أهل الصفة، وأهل الصفة: هم قوم يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من القبائل ليطلبوا العلم، ويتعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصص لهم مكانا في المسجد ينامون فيه يسمى بالصفة، وكان ينفق عليهم مما يأتيه من الأموال.
وكذلك كان يعطي السائلين، كان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلا، حتى أنه في مرة جاءت له شملت يعني: كساء من الصوف ففرح بها صلى الله عليه وسلم ولبسها، فقال رجل من الصحابة: اكسنيها يا رسول الله فأخذها وأعطاه إياه، فلام الصحابة هذا الرجل قالوا: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها وقد لبسها وأنت تعلم أنه لا يرد سائلا، فكيف تسأله إياها؟ فقال: إنما سألتها لتكون كفني، هذا من محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكفن في الثوب الذي لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت كفنه، مات وكفن بها رضي الله عنه.
الشاهد من هذا: أنه لا يرد سائلا؛ بل يعطيه ما تيسر ذلك لقوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ).
الحاصل أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يدخر لنفسه شيئا مما يأتيه من الله؛ بل كان ينفقها في سبيل الله، ويعيش عيشة الفقراء، ولو أراد لعاش عيشة الملوك، ولكنه آثر أن يعيش عيشة الفقراء حتى أن ابنته فاطمة رضي الله عنها كانت تعمل في بيتها، كانت تطحن الرحى حتى أثرة في يدها، وكانت تستقي الماء من البئر تحمله على ظهرها في القربة حتى أثرة القربة فيها يعني: حبل القربة أثر فيها رضي الله عنها، وهي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم سألته خادماً من الفيل قال: لاَ أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَلَوَّى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوع ، وأهل الصفة عرفناهم وهم فقراء المهاجرين، ثم أرشدها صلى الله عليه وسلم إلى أن تستعين بالتسبيح والتهليل والتكبير، هذه بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تخدم في بيتها تعمل عمل بيتها، والآن النساء يترفعن عن الخدمة في البيوت ويلزمن أزواجهن أن يأتوا بالخادمات وهن لا يتحركن ولا يحركن شيئاً، ويقول لهن من يقول: عمل البيت لا يلزمكن، عمل البيت ألتزام الزوج يأتي بمن يقوم به، إذ كانت بنت الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم بعمل بيتها، وبنات أبي بكر الصديق أسماء وأخواتها كن يعملن في بيوتهن، ونساء الصحابة يعملن في بيوتهن، فكيف بهؤلاء النسوة اللاتي تكبرن على العمل في البيوت؟ هذا أمر يجب التفطن له، لو أن المرأة عملت في بيتها لكان لها الأجر ولذهبت عنها الأمراض التي تصيبها من الكسل والخمول وعدم الحركة ولنالت الأجر من الله سبحانه وتعالى.
فيجيب على النساء أن يعرفن هذا، وأن عملهن في البيوت واجب عليهن، هل هن أفضل من الصحابة ومن بنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بنات أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة.
والحاصل من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئاً مما يأتيه؛ بل كان ينفقه في سبيل الله عز وجل، ويعيش عيشة الفقراء، وربما يأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وسألت عائشة رضي الله تعالى عنها ما طعامكم حينئذ؟ قالت: الأسودان، التمر والماء ، وليس في بيوتهن طبخ وطبيخ ولحوم إنما يأكلون التمر ويشربون عليه الماء، وأحيانا لا يجدون التمر حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يشد الحجر على بطنه من الجوع ويصبر عليه الصلاة والسلام، لأنه بعثه الله يدعوا إلى الله ويجاهد في سبيل الله ويبلغ الرسالة ولم يبعثه ليكون ملكاً ويكون مترفاً ويجمع المال، نعم المال لابد منه؛ ولكنه ينفق في وجهه التي أمر الله بالإنفاق فيها.
فهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يدل على عدم الرغبة في الدنيا وأن من أتاه الله شيئا منها فيجب أن يقدمه لآخرته وأن ينفقه في سبيل الله، وفي طاعة الله عز وجل ويكتفي بأقل شيء، هذا هو الهدي النبوي، الرغبة في الدنيا تشغل عن الآخرة لاشك، هما الدنيا والآخرة مثل الضرتين يعني: الزوجتين إذا ملت إلى إحداهما أغضبت الأخرى، فإذا ملت إلى الدنيا تركت الآخرة، وإذا ملت إلى الآخرة تركت الدنيا، فأنت تعتدل في هذا، تأخذ من الدنيا ما يكفيك وتعمل للآخرة لأنها هي الدار الباقية.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***