بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الله جل وعلا: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) سورة آل عمران.
وقوله (وَسَارِعُوا) يعني: أسرعوا وسبقوا غيركم، إلى أي شي؟ (إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وذلك بتوبة إلى الله لمن أذنب وأساء يبادر بالتوبة إلى الله (مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) والله يغفر الذنوب لمن تاب إليه وأناب وليس هناك أحد معصوم من الخطاء ومن الذنوب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما عصمهم الله منه وإلا فغيرهم عرضه قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم خَطَّاءون وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" فمن حصل منه ذنب أو مخالفة ولا أحد يسلم من الذنب والمخالفة كل على حسب حاله فعليه بالمبادرة بالتوبة لأنه إذا لم يبادر فحري أن يموت قبل أن يتوب يبقى عليه ذنبه فعليه أن يبادر بالتوبة قبل الموت: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) فالمبادرة المبادرة ولا تؤجل إلى الغد أو إلى شهر كذا أو تقول إذا جاء شهر رمضان سوف أتوب وإذا جاء الحج سوف أحج وأتوب قد لا تدرك رمضان وقد لا تدرك الحج.
فبادر بالتوبة ما دمت في زمن الإمكان ولا تؤجل التوبة بادر بها على إثر الذنب بادر بالتوبة "أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ تَمْحُهَا" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فأنت إذا توسخ ثوبك أو حصل فيه نجاسة تبادر إلى غسله ولا تصبر أبقيه لبكرا ما تواجه الناس بثوب موسخ تبادر إلى غسله فكونك تتوب من الذنوب أولى من غسل الثوب بأن تغسل نفسك من الذنوب أولى من غسلك لثوبك لأن هذا شيء يفوت عليك ولهذا وقال (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم) فمن لم يسارع فاته، من لم يسارع إلى الشيء فاتهُ ويبقى متحسراً.
ثم قال ما هو أعظم من ذلك أعظم من المغفرة (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) جنة واسعة لا يعلم سعتها إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلقها، فسارع إلى هذه الجنة بالأعمال الصالحة والتوبة إلى الله ولن تحصل على الجنة بالأماني ولن تحصل على الجنة بالنسب أو إنك ابن فلان أو إنك من كذا ما تحصل على الجنة إلا بالعمل الصالح، فالجنة للمتقين للمؤمنين وليست للأشراف وذوي الجاه إنما هي للمتقين من أي لون ومن أي جنس كان (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، والتقوى هي أن تفعل ما أمر الله به وأن ترك ما نهى الله عنه طمعاً في الثواب وخوفا من العقاب سميت تقوى لأنها تقيك من عذاب الله، ومن هذه النار هذا في سورة آل عمران، في سورة الحديد لما قال جل وعلا: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) ثم قال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، فلا تحصل على الجنة التي (عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) إلا أذا آمنت بالله ورسوله آمنت بالله وصدقت واستقمت على طاعة الله تجنبت محرم الله بهذا تحصل على هذه الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى: (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) فلم تعد لغيرهم محصورة على الذين آمنوا بالله وآمنوا بكل الرسل لا يؤمن ببعض الرسل ويكفر بالبعض الآخر؛ بل كل الرسل، الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان لا يقبل إيمان أحد حتى يؤمن بجميع الرسل من أولهم إلى أخرهم (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) هذا بيد لله جل وعلا ما تحصل عليه إلا بمشيئة الله عز وجل فترجوا الله الذي إذا شاء لك هذا حصل ترجوه وتدعوه تتضرع إليه، تتوب إليه من الذنوب والخطايا (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فضل الله لا يحصى ولا يعد وليس له نهاية، فضل واسع، فضل عظيم ولا تدرك هذا الفضل إلا بسبب العمل الصالح بالإكثار من الحسنات والتوبة من الذنوب والسيئات والاستعداد للقاء الله عز وجل صباحاً ومساءًا وفي كل وقت لا تؤخر ربما تؤخر إلى وقت لا تدركه وربما تدركوه ولا توفق، ما توفق لما وعدت به، توفيق بيد الله سبحانه وتعالى، فالله أمرك أن تبادر ولا تهمل تبادر بالتوبة، وبالعمل الصالح ما دمت على قيد الحياة فلا تترك الفرص تفوت والمناسبات الطيبة تفوت ولا يحصل لك منها شيء هذا حرمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فبادر يا أخي، بادر بالتوبة إذا أذنبت وأكثر من الحسنات ما دمت قادر على ذلك بادر ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، ولا تؤجل فإنك ما تدري، متى تموت؟ لا تدرك ما أملت ولو أدركته قد لا توفق لأنك تكاسلت فحرمت ذلك فبادر (سَابِقُوا)، والسباق يكون لشيء يفوت وكذلك المسارعة إذا لم تسرع فاتك هذا الشيء إذا توانيت فاتك هذا الشيء، فأسرع وسابق غيرك ولا تقل أنا ما ني بلاحق هؤلاء الصالحين تلحق إذا صلحت نيتك وعملت تلحق بهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، فتلحق بصالحين إذا كان لك عزيمة والفرصة باقية في يدك والموفق من وفقه الله عز وجل، والمحروم من حرمه الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الْكَيِّسُ" يعني: العاقل "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ" يعني: حاسبها حاسب نفسه، "وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ" هذا هو العاقل الكيس الناصح لنفسهِ الذي عرف قدر الحياة وقدر الموت، "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني"، أما قوله صلى الله عليه وسلم: "أنظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" هذا في أمور الدنيا، أنظر إلى ما هو دونك، أنظر إلى الفقراء، أنظر إلى المرضى، أنظر إلى العاجزين وأنت قد وفقك الله وأغناك الله فأحمد الله على هذه النعمة، أما في أمور الآخرة فأنظر إلى من هو فوقك ولا تنظر إلى من هو دونك، لا تنظر إلى الكسالى والعصاة والمذنبين؛ بل انظر إلى الصالحين والطيبين فحاول اللحاق بهم والاقتداء بهم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.