الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد
أيها الناس، نحمد الله ونشكره على هذا دين القويم الذي بعث الله به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وشهد له بالكمال فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، فلم يتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعدما أكمل الله به الدين، فلم يبقى لأحد بعده أن يحدث شيئا يتقرب به إلى الله لما يأتي به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ وقال عليه صلاة والسلام: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي .
والله جل وعلا قال لنا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذا صراط الله الذي جاء به رسوله ما ترك شيئا يقرب المسلم إلى الله إلا بينه وما ترك شيئا يضر المسلم في دينه ودنياه إلا حذره منه فلم يبقى لنا إلا الإتباع وترك الابتداع فإن الخير كله في الإتباع والشر كله في الابتداع، والله جل وعلا لا يرضى من الدين إلا ما شرعه لعباده فلا يجوز لأحد أن يُشرع مع الله عبادات ويقول هذه من الدين (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).
فالواجب علينا الإتباع وترك الابتداع قال عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أتبرعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم فالذي يريد رضا الله ويريد الجنة عليه أن يتبع هذا الدين ويتمسك به وفيه الخير والكمال لمن وفقه الله سبحانه وتعالى؛ ولكن الشياطين الإنس والجن أبوا إلا أن يحدثوا في هذا الدين محدثات يظنون أنها تقربهم إلى الله وتمسكوا بها وحرصوا عليها ودعوا إليها وهذا مستمر وهو من باب الابتلاء والامتحان: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).
إن البدعة تبعد عن الله والسنة تقرب من الله، إن البدعة تغضب الله والسنة ترضي الله سبحانه وتعالى لأن الله قال (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، المبتدع يرى أنه على حق فقل أن يتوب المبتدع لأنه يرى أنه على حق وهو شر من العاصي، فالعاصي يعلم أنه مخالف ويستحي من الله ويستحي من الناس فقريب أن يتوب إلى الله عز وجل أما المبتدع فيرى أنه على حق وأنه على هدى فلا يتوب إلى الله عز وجل.
ومن مفاسد البدع ما جاء في الحديث: مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلاَّ رُفِعَ الله مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ ، فلا تجتمع البدع والسنن إلا ويخرج أحدهم الآخر، فالسنة تطرد البدعة، والبدعة تطرد السنة، فالذي يريد النجاة ويرد الأجر والثواب يقتصر على ما شرعه الله سبحانه وتعالى ولا يلتفت لما يقوله الناس من غير برهان ومن غير دليل فمن جاءك وقال ك أفعل كذا فيه أجر فيه ثواب قول له هات الدليل على هذا، فإن جاء بدليل فنعم وعلى الرأس والعين وإن لم يأتي بدليل فهو ضال مضل.
فعلينا أن نتنبه لهذا خصوصا وأننا في زمان تروج فيه البدع بكثرة مع غلبة الجهل في الناس ومع رغبة كثير من الناس في الخير وحبهم للأجر فيستغلون هذا مع غفلة كثير من العلماء فيدسون على الناس هذه السموم لاسيما في هذه الوسائل المستحدثة الإنترنت الجوال المواقع يدسون على الناس هذه الشرور يرسلون رسائل في الجوالات أفعلوا كذا، صوموا كذا، صلوا كذا ويرغبون في هذا ويقولون من يفعل هذا فله أجر ومن تركه فعليه وعيد، ويرتبون أنواعا من أنواع الوعيد والتخويف على من لم يفعل ما ينشرونه؛ بل إنه يأمرون من بلغته هذه الخرافات أن ينشرها في الناس وأن يبلغها وأن له من الأجر إذا نشرها له أجر كذا وكذا وإن كتمها فعليه أثم كذا وكذا وليتوقع العقوبة العاجلة وما أشبه ذلك من التهديدات والوعيد والوعود بالأجر والثواب لمن قبلها وروجها هكذا يفعلون فاحذروهم لا تقبلوا من أحد أي عبادة أو أي فعل يرجى به الثواب إلا بدليل من الكتاب والسنة يذكرون أحاديث مكذوبة يرغبون بها الناس أو يضعون هم أحاديث يرغبون بها الناس.
فاحذروا عباد الله، قد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ؛ لكن هؤلاء أستنزلهم الشيطان فأغوهم وأغرهم وصاروا يحبون أن يتبعهم الناس وأن يغيروا دين الناس.
فاحذروا منهم واحذوا من هذه الوسائل وما ينشر فيها ولا تقبلوا منه شيئا إلا بعد أن تسألوا عنه أهل العلم إن كنتم لا تعلمون، أو إن كنتم تعلمون فعرضوه على الكتاب والسنة ضيقوا عليهم المجال في هذا الأمر - الحمد لله- (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)، والحق بين أيديكم - والحمد لله - كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عندكم العلماء فسألوهم عما ينشر وعما يقال سدوا عليهم الطريق وحاصروهم حتى ينصرفوا عنكم وعن أفعالهم القبيحة إذا لم يكن لها رواج وإذا علموا أن في طريقها من ينكرها ويردها عليهم.
فاحذروا من ذلك وفقكم الله، من ذلك أنهم في كل سنة في آخر العام الهجري في نهاية شهر ذي الحجة يأمرون بأشياء من الأذكار، من العبادات صوموا آخر يوم من شهر ذي الحجة، يهنئون الناس بالعام الماضي يهنئونهم مثل ما يهنئونهم بالعيد بعيد الفطر أو عيد الأضحى كل هذه ترهات وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان، يرغبون في أشياء في مواسم الخير يدسون على الناس يستغلون حرص المسلم على حب الخير فيدسون عليه هذه الأمور.
فاحذروهم وحذروا منهم إن العام الهجري ليس له خاصية وليس هو مما جاء في الشرع إنما هو اصطلاح، اصطلح الصحابة عليه لما جمع عمر الصحابة رضي الله عن الجميع لأنه يأتيه كتبات من عماله لا يدري متى كتبت فتشاوروا في وضع تاريخ للمسلمين ولم يلتفتوا إلى التاريخ الميلادي مع أنه موجود لأننا نهينا عن التشبه باليهود والنصارى فلم يلتفتوا إلى التاريخ الميلادي ولا إلى التاريخ الفارسي ولا إلى غيرها من التواريخ لأننا منهيون من التشبه بغيرنا، فاصطلحوا على أن يكون بداية محرم هو بداية العام الهجري ويكون شهر ذي الحجة هو آخر العام الهجري وهذا اصطلاح منهم لم يريدوا أن يرتبوا عليه عبادات أو فضائل أو غير ذلك؛ ولكن أهل شر يبنون على هذه الأسباب ويحكون حولها أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.
فحذروا منهم واحذروهم ولا تروجوا هذه الأمور لأن هناك من يأخذ هذه الأوراق المكتوبة ويوزعها يصورها ويوزعها وربما يلصقونها في أبواب المساجد أو في داخل المساجد لأنهم يقولون من روجها، ومن سوقها فله من الأجور كذا وكذا يوظف يرفع يعطى كذا، والناس يطلبون الخير عاجلا وآجلا فيغرون الناس بهذه الأمور.
فحذروهم وحذروا منهم وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، اللهم أرنا الحق حقا ورزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنظل، أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور رحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا،
روى العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تآمر عليكم عَبْد فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بعدي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وفي رواية: وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول: إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ لاحظوا قوله: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ فليس في البدع شيء حسن ليس هناك بدعة حسنة بل كلها ضلالات فاجتنبها وفيما شرعه الله لنا وشرعه رسوله خير لنا، خير تام فمن يريد الخير فهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فعليه أن يجتهد في طلب الأجر بما شرعه الله سبحانه وتعالى فتجنب البدع فإن المبتدع مهما عمل لو أفنى حياته في البدع فهو من أهل النار وعمله ضلال - والعياذ بالله - لأنه يسر على غير طريق صحيح وعلى غير شرع الله وإذا أقتصر على بعض البدع فعليه من الإثم قدر ذلك؛ ولكن يخشى أن تتطور هذه البدعة فتقضي على ما حولها من السنن فيصبح مبتدعا خالصاً.
فاتقوا الله عباد الله، وحذروا من البدع ولا تتساهلوا فيها أو تقولوا هذا خير هذا عمل صالح وتتساهلوا في هذا الأمر، لا والله إن البدعة شر وليست بخير، إنها ضلال وليست بعمل صالح.
اتقوا الله عباد الله، تمسكوا بدينكم فإن الخطر عظيم، وإن دعاة الضلال نشطون وينشطون من قبل الدول الكافرة تؤزهم وتشجعهم على ذلك ليفسدوا هذا الدين؛ ولكن: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد آمنة مستقرة، اللَّهُمّ أحفظها من الفتن، اللَّهُمّ أحفظها من كيد الكائدين ومن شر المفسدين ومن شر الأعداء والحاسدين، اللَّهُمّ أحفظها آمنة مستقرة وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهتدين، اللَّهُمّ أيدهم بالنصر والتوفيق، اللَّهُمّ أجعلهم نصرة لدينك حربا على أعداءك سلما لأوليائك يا رب العالمين، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمّ ثبتنا على الحق وهدنا الصراط المستقيم وتوفنا مسلمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 12-01-1435هـ