الخطبة الأولى الحمد لله ذو الفضل والإحسان: (خَلَقَ الإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الإيمان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، فإن التقي هو السعيد، وعليكم بتربية أولادكم، ليكون أثرا صالحا لكم بعد مماتكم، ربوهم على الخير، وعلموهم طاعة الله، وأعظم الطاعات العملية هي الصلاة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ، فإذا كنت تريد من أولادك أن ينفعوك بعد مماتك بالدعاء فإنك تربيهم على الطاعة وعلى العبادة قال صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ ، فالصلاة هي أعظم الأعمال الصالحة وأعظم التربية لقوله تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، وهي أول ما يحاسب عنه العبد من عمله يوم القيامة، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين تربي عليها أولادك من الصغر ولا تتركهم حتى يكبروا فيشق عليك أمرهم؛ بل تأمرهم وهم صغار لأن هذا يؤثر فيهم الامتثال والطاعة، كثير من الناس يربون أولادهم التربية البدنية فيغدقون عليهم النعم والأرزاق وهذه التربية ((تربية بهيمية)) تضرهم أكثر مما تنفهم؛ ولكن التربية الحقيقية هي تربيتهم على العبادة، فعليكم بتربية أولادكم ما داموا بين أيديكم وتقدرون على تربيتهم بادروا بتربيتهم بما يعود نفعه عليهم وعليكم قال صلى الله عليه وسلم: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ أو مات الإنسان انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وهي الوقف الذي يغل غلة تنفق في وجوه الخير صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ علم الشريعة الذي ينتفع به في العبادة والطاعة علم الشرع فإن نفعه يستمر إذا علم ونشر علمه في الطلاب وفي المؤلفات فإن نفعه يستمر عليه بعد موته، والعلماء كما ترون ويذكرون ولهم ألاف السنين وهم أموات يذكرون بالخير ويقتدى بهم لأن علمه آثر صالح لهم علم ينتفع به أما العلم الذي لا ينتفع به كالعلوم الدنيوية فهذه تنقطع مع أهلها عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بعد موته والصلاح لا يأتي من فراغ لابد من أسباب للصلاح، وأعظمها التربية فربوا أولادكم على الخير وجنبوهم مواطن الشر، وأبعدوا عنهم وسائل الشر، ربوهم على الخير وحافظوا عليهم خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه الفتن من كل حدب وصوب وتنوعت - والعياذ بالله -، فحفظوا أنفسكم وحفظوا أولادكم منها ببذل الأسباب النافعة والواقية ولا تضيعوا أنفسكم وتضيعوا أولادكم، فتألوا إلى الشر والعاقبة السيئة.
أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ جمع بين صفتين:
أول: أنه صالح في نفسه.
وثانيا: أنه يدعو لوالده فيستجيب الله دعاءه ويوصل ثوابه إلى ولده.
وهذا مثال ذكره الله في القرآن لتقتدوا به وتعتبروا به، هذا لقمان عليه السلام وهو عبد صالح قال الله جل وعلا: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) فأتاه الله الحكمة وهي العلم والفقه في الدين، فصار يعلمها ويعمل بها ومن ذلك أول من علم ابنه فقال له: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فأعظم الذنوب وأكبرها هو الشرك بالله عز وجل الذي من مات عليه فإن الله يحرم عليه الجنة (وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) فهو أعظم الذنوب ولذلك أول ما نهى لقمان ابنه نهاه عن الشرك: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، والشرك هو وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك وضع العبادة في غير موضعها وصرفها لغير مستحقها وهو الله جل وعلا، فكان ظالما لنفسه وظالما لغيره، فهو أعظم الذنوب: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، (لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) هذا نهي (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، لأن أول الحقوق حق الله جل وعلا على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فمن أشرك به شيئا فقد ضيع هذا الحق، حق الله عليه، وستحق الغضب والعقوبة الدائمة التي لا يغفرها الله عز وجل لمن مات عليها.
(وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) هذا الحق الثاني بعد حق الله، وهو حق الوالدين؛ لكن حق الوالدين عظيم ويأتي بعد حق الله؛ ولكن لا يؤديه من الأولاد إلا من رباه والده على الخير، رباه على الطاعة، (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) هذا مما يعظم حق الوالدين أن الله وصى به سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) يعني: أن يحسن إليهما بالقول والعمل والبر والإحسان والرحمة والشفقة لقاء ما قاما به معه في صغره (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) ضعفا على ضعف، وكراهة على كراه لما تقاسيه في الحمل من الآلام الشديدة والأخطار الأكيدة، ثم إذا وضعته الوضع أيضا عملية خطيرة يموت فيها النساء بكثرة، (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) ثم إذا وضعته: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) ترضعه سنتين من صدرها: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) كما الله جل وعلا: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) وليس ذلك فحسب؛ بل إنها مع كونها ترضعه فهي تريه تزيل عنه الأذى بيدها تدفئه من البرد وتدفع عنه الحر، وتألم لألمه، وتسر لسروره، فهي معه بعد ولادته مع ضعفه وحاجته إلى من يقوم على مصالحه ويدفع عنه ما يضره: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، ثم قال جل وعلا: (أَنْ اشْكُرْ لِي) أمر بشكره سبحانه تعالى أولا على نعمه العظيمة ولوالديك أشكر لوالديك ما قاما به في حقك من التربية والتغذية ومن التعهد بمصالحك ودفع المضار عنك، لكن في وقتنا الحاضر انشغلت النساء عن الأولاد بالوظائف، بالأعمال، بالرفاهية فصارت تكل أولادها على المربيات أو إلى دور الحضانة أو غير ذلك ممن لا يشفق عليهم ولا يرحمهم ولا يعبئوا بهم، كيف أضاع الوالدين أولادهما من التربية وطرحاه على غيرهما من الخديمين والخديمات والمرين والمربيات، ثم يرجون بعد ذلك منهم البر وقد نشأ الولدان وهم لا يعرفون آباءهم يعرفون المربية والمربي ودور الحضانة ولا يعرفون آباءهم فكيف يبرون بهم؟ وهم لا يعرفونهم، تنبهوا لهذا وفقكم الله: (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، ثم قال جل وعلا متوعدا: (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) يوم القيامة تصيرون إلي وأحاسبكم على إهمالكم وتفريطكم وإضاعتكم لأولادكم: (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، حتى ولو كانا الوالدان كافرين لا يسقط حقهما عن الولد بالبر والإحسان إليهما، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) إنما الطاعة بالمعروف، لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ؛ ولكن لا يسقط حقهما ولهذا قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) أحسن إليهما قم بنفقتهما إذا احتاجا إلى ذلك، قم ببرهما ولو كانا كافرين: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) ابتع الرسول صلى الله عيه وسلم لا تتبع الوالدين ولا غير الوالدين في معصية الله عز وجل، وإذا كانا الوالدان منحرفان فتجنب طريقهما؛ ولكن مع تجنب طريقهما تحسن إليهما وتبر بهما، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا) في الدنيا فقط (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)، وأما في الآخرة فكل يلقي مصيره الولد يلقى مصيره إن كان مؤمنا فهو في الجنة وإن كان كافرا فهو في النار، والوالدان كذلك كل يجزئ بعمله: (لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً)، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لا تتبع سبيل الوالدين المنحرفين؛ ولكن مع الأسف الآن كثير من الأولاد يشكون انحراف الوالدين ترك الصلاة فعل الفواحش الأولاد الآن ينكرون على الوالدين العكس، انعكست الأمور.
فاتقوا الله عباد الله، أصلحوا أنفسكم أولا ثم أصلحوا أولادكم، أصلحوهم بالتربية الطيبة (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ثم قال لقمان لابنه منبها له إلى أن العمل لا يضيع عند الله سواء كان خيرا أو شرا، سواء كان قليلا أو كثيرا، لا يضيع العمل عند الله: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) أصغر شيء من العمل، (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) في جوف صخرة صماء، (أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ) في أرجاء السموات أو الأرض مع حقارتها وسعة السماء أو الأرض أو في جوف صخرة صماء فإن الله يأتي بها يوم القيامة، (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) يوم القيامة، (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ) لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، خبير بأعمال عباده سبحانه وتعالى، وهذا كقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه).
ثم قال: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ) لماذا الصلاة؟ لأن الصلاة هي عمود الإسلام، الصلاة تأمر، الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصلاة فيها ذكر الله جل وعلا وهو ((الله أكبر))، الصلاة عبادة عظيمة تجمع لك الخير كله وتربيك على الخير كله، وتنهاك عن الشر كله: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ) هذا أول شيء من العمل.
(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ) لا تقتصر على نفسك، لا تقل ما علي من الناس، أُمر بالمعروف وهو كل ما أمر الله به من الطاعات، ونهى عن المنكر: وهو كل ما نهى الله عنه من السيئات، لا تقصر على نفسك تقول الحمد لله أنا مستقيم ولا علي من الناس، لا، عليك واجب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنه بحسب استطاعتك ومقدرتك، أما لو تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هذا يتنافى مع الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ إذاً لابد من إنكار المنكر، ولهذا قال في آخر الحديث: وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ فمن لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يقول الناس أحرار لهم قناعاتهم لهم اعتقاداتهم الناس أحرار وأنا ما علي منهم، ما هو هذا كلام المؤمن الناس ليسوا أحرار بالشرك والشهوات والشبهات، الأحرار هم الذين يعبدون الله وحده لا شريك له تحرروا من جميع الأهواء ومن جميع الأطماع ومن جميع الخضوع للناس، صاروا عبادا لله كما خلقهم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) صاروا عباد لله، وعبادة الله تحرر الإنسان من جميع عبادات المخلوقين، فالحرية هي في عبادة الله وليست الحرية في قناعة الإنسان أو حرية الإنسان، لا، أنت عبد ليس حر أنت خلقك الله عبدا لمن؟ عبدا لله الذي خلقك ورزقك، أنت عبد لله فإما أن تعبد الله وإما أن تعبد الشيطان، لابد ولذلك تجدون الذين لم يعبدوا الله صاروا يعبدون أنواعا كثيرة يعبدون الشياطين، يعبدون الجن، يعبدون الإنس، يعبدون الأموات، يعبدون الأشجار والأحجار حتى إنهم يعبدون الأبقار، حتى إن بعضهم يعبدون الفروج أشياء عجيبة: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فلا نجاة لك إلا بعبادة الله الذي خلقك ورزقك وقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) هذه هي الحرية التي تحررك من كل ما يضرك وكل ما يفسد عقلك ويفسد قلبك ويفسد دينك، الحرية في عبادة الله عز وجل تخلصك من الذل للمخلوقين، تحررك من اتباع الهوى، تحررك من كل الشرور: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لأن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يلقى مشقة من الناس باللوم والتوبيخ أو بالتهديد عليه أن يصبر: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) أي: من الأمور التي تحتاج إلى عزيمة، وإلى قوة، وإلى تحمل، فليست الأمور بالهينة؛ ولكن الله جل وعلا يعين عليها ويسهلها على من قام بها، ماذا لقي الأنبياء من الكفار والمشركين والمنافقين؟ الله قص عليكم قصص الأنبياء وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، ماذا لقوا من الناس؟ ولكنهم صبروا حتى كانت العاقبة لهم: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، ثم إن لقمان عليه السلام نهى ابنه عن الأخلاق السيئة فقال: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) لا تتكبر على الناس تعرض عنهم بوجهك وهم ينادونك ويخاطبونك أقبل عليهم بوجهك وسمع منهم ووجههم (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً) مشيت المتكبر بقدميك أو بسيارتك أو بدابتك أو بخيلك ورجلك أمشي مشيت المتواضع لأنك عبد تواضع في مشيك: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ) معجب بنفسه فخور بنسبه، فخور بماله، فخور بجماله بغناه أو غير ذلك، لا تفخر على الناس الذي أعطاك الله نعمة من الله وقادر على أن يسلبه منك فتصبح أضعف من هؤلاء فلا تتكبر: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) يعني: توسطت بالمشي لا تسرع ويكون لك جلبه ولا تتكاسل في المشي وتتخامل في المشي وتتباطأ؛ بل كون متوسط في مشيك على قدر الحاجة، (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) توسط، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) حتى الصوت لا تجهر بصوتك بدون حاجة إلى ذلك، أجعل صوتك متوسطا أو تتكلم بكلام المتكبرين والمتجبرين الغليظين ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) لا ترفع صوتك من غير حاجة فإن هذه صفة الحمير الدواب المعروفة: (إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) صون الحمار مزعج ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت الحمار أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأنها ترى شيطانا، أما الديك فإنه يرى ملك من الملائكة إذا أذن صاح الديك لأنه راء ملك من الملائكة الكرام ولهذا تقول عند ذلك: أسأل الله الكريم من فضله، إذا سمعت صوت الديك تقول: أسأل الله الكريم من فضله لأنه راء ملك من الملائكة.
فهذه وصايا عظيمة قصه الله علينا لنمتثلها ونعمل بها فليست خاصة بإبن لقمان إنما هي عامة لجميع المؤمنين.
ثم اعلموا عباد الله أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، جماعة المسلمين وإمام المسلمين عند الفتن عند الثورات عند الشرور كونوا مع إمام المسلمين ومع جماعة المسلمين عصمة من الشر والفتن، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وهو حق من حقوق نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللَّهُمَّ دمر أعداء الدين، اللَّهُمَّ أجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 02-03-1435هـ