الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين يبتلي بالأموال والأولاد من يشاء من خلقه ليتبين بذلك الشاكر القائم بالأمانة ممن يضيعها قال الله سبحانه وتعالى: (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يوفق من شاء إلى أداء الأمانة والنصيحة فيما حمَّل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير قدوة وأحسن أسوة، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله حمَّلكم أمانة الأموال والأولاد وهما حمل ثقيل، ولكن من وفقه الله وأعانه خف عليه ذلك وقام بحقه ونجا من مسئوليته أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى اهتمام، ويحتاج إلى نية صالحة، فهؤلاء الأولاد أمانة في أعناق والديهم منذٌ نشأتهم إلى أن يبلغوا الرشد، وهم أمانة في أعناق أبائهم وأمهاتهم حتى يؤدوها ويسلموا من تبعتها، وإلا فإنهم يكونون ممن قال الله تعالى فيهم: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) ليس معنى ذلك أنك تترك الأموال والأولاد لتسلم من شرهم، ولا أن تدعو بالله بأن لا يرزقك مالا ولا ولدلا ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود أن تسأل الله الذرية الطيبة الصالحة كما قال زكريا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وقال إبراهيم السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ)، لاشك أن الأولاد والأموال إنهما حمل ثقيل إلا من سهله الله عليه على حمله ونجا من مسئوليته وإلا فإنهما حمل ثقيل على الإنسان قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ يعني: على الدين والصلاح في أصله وفطرته، كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ولم يقل أو يسلمانه لأن الإسلام هو الأصل وإنما التربية هي التي تحرف عن الإسلام، التربية السيئة هي التي تحرف المولود عن الإسلام، وهي تكون على يد الوالدين، لأن الولد بيد الوالدين إلى أن يبلغ الرشد وهو تحت أيديهما فإما أن يحافظ على فطرته السليمة وينمينها على الخير والطاعة وإما أن يصرفاه عن فطرته إلى اليهودية أو إلى النصرانية أو إلى المجوسية، فالوالدان يربيان الأولاد بلا شك إما على الخير وإما على الشر ليس معنى التربية أن توفر للأولاد المال والمأكل والمشارب والملابس والسيارات الفارهة وتضن أنك بذلك أدية حقهما وربيتهما؛ ولكن المراد بالتربية الدينية، التربية على الخير، على الأخلاق، على حسن السلوك، على ملازمة الخير، على الصلاة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، وقال عن إسماعيل عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً)، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فأنقذ نفسك من هذه النار بتقوى الله وأنقذ أولادك من هذه النار بالتربية الصالحة على الإسلام، وعلى الدين، وعلى الأخلاق الفاضلة وإلا فإنك تكون خائنا لأمانتك وما حمَّلت.
إننا في هذه الأيام في أيام بدأ الفصل الثاني من الدراسة يهتم الآباء بتوجيه أولادهم نحو المدارس، وهذا شيء لا يلومون عليه هذا شيء طيب، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك قبل ذلك، لماذا لا يوجهون أولادهم إلى المساجد؟ لماذا لا يستصحبون معهم يتركونهم في الشوارع مع السيارات والتفحيط مع الأشرار يتركونهم ولا يدرون أين يذهبون؟ أين الرعاية؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وصاحب البيت رَاعٍ فِي بيته ومَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فكما توجه أولادك للمدارس وجهم للمساجد قبل ذلك وداوم على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ فأمركم أن تأمروهم بالصلاة إذا ميزوا وبلوغ سن التمييز، فإذا قاربوا البلوغ فإذا رأيتم منهم تكاسلا على الصلاة فضربوهم وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ ولا يكفي هذا بل أيضا راقبوهم في المضاجع، في منامهم: وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ بأن تبعدوا بعضهم عن بعض خشية الفتنة فأنت مسئول عن أولادك في يقظتهم وفي نومهم أنت مسئول عنهم محمل أمانتهم.
ثم أيها المدرسون أنتم عليكم أمانة فالآباء سلموكم أولادهم ووجوههم إليكم فصاروا حتى مسئوليتكم في المدارس علموهم ما ينفعهم راقبوهم في أخلاقهم وفي سلوكهم، أشرحوا لهم المقررات وبينوها لهم في الفقه، في التوحيد، في النحو، في غير ذلك حرفا حرفا، لا تترك من المقرر شيئا، لا تتساهل فيه فإنه أمانة حملتها لا تصرفهم إلى القيل والقال وإلى الأفكار السيئة، أين ذهب فلان؟ وأين جاء فلان؟ وكيف كان حال فلان؟ إلى آخره، أنت مسئول عن أمانة تعليمهم وتوجيههم، لا تحرفهم عن الحق تلقنهم الأفكار السيئة، تورث العداوة بينهم وبين الناس، فلان فيه كذا وفلان فيه كذا هذا ليس من مسئوليتك، مسئوليتك أن تقوم بشرح هذا الدرس وتبينه لهم وسؤالهم عنه حتى يفهموه وإذا رأيت من أحد منهم تكاسلا أو إهمالا فإنك توجهه إلى الرجوع إلى دراسته وحفظ وقته وعدم الانشغال بغير ذلك، فهو من حين يدخل المدرسة إلى أن يخرج منها وهو تحت مسئوليتك، أنت المسئول عنه.
ثم أنت أيها الوالد تابع أولادك خارج البيت، أين ذهبوا؟ من يجلسون معه؟ أسأل المدرسين والمسئولين عن المدارس عن سلوك ولدك وعن توجهاته وعن جلسائه، أسألهم تابعه خارج البيت فإنه ما يزال تحت مسئوليتك في البيت وخارج البيت، وهذه مسئولية عظيمة وثقيلة بلا شك؛ ولكن الله يعينك عليها إذا صدقت نيتك ثم الوالد إذا عرف منك الحزم وعرف منك أنك تتابعه فإنه يأخذ حذره ويتجه إلى ما وجه إليه، أما إذا عرف انك لا تسأل عنه ولا تدري عنه فإنه يضيع بين البيت والمدرسة، هناك من يتخطفون الأطفال وينشرون بينهم الدخان والمخدرات والمسكرات ويلقونهم الأفكار السيئة وقد يكون هذا في المدرسة وخارج المدرسة فأنت المسئول عنهم، أنت أبوهم أنت المسئول عنهم تابعهم، واختر لهم المدرسة المستقيمة بمديرها وبمعلميها وبطلابها اختر لولدك المكان المناسب فأنت مسئول عنه وفقك الله وأعانك الله، ولا تقل أنا في شغلي وهو في شغله وتذهب إلى تجارتك وإلى أموالك تنميها وتتعاهدها وتحافظ عليها ولا تحافظ على أولادك، إن تجارتك الرابحة بلا شك هم أولادك إذا قمت بتربيتهم وحسن توجيهم فهم تجارتك الحقيقية عند الله سبحانه وتعالى، وهم الذين يدعون لك بعد موتك، وهم الذين يخلفونك في أهلك وفي مالك، فإذا أصلحتهم بتربيتهم وتوجيههم صاروا خير خلف لخير سلف، أما إذا أهملتهم صاروا حسرة عليك حيا وميتا.
فاتقوا الله عباد الله، في أولادكم قوموا بأمانتكم التي حملكم الله إياها، وإلا فإن الله سيسألكم عنها يوم القيامة: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد
أيها الناس، اعلموا أن الوقت الآن قد اختلف عن ما سبق، فكان فيما سبق كان أهل البلد لا يدرون عن أحوال البلد الآخر وما يجري فيه ولا يصل إليهم إلا أخبار بلدهم وأخبار محيطهم ومن حولهم في المكان القريب، أما الآن فاختلطت الدنيا تقاربت البلاد وصار العالم كما يقولون كأنه قرية واحدة ما يجري في أقصاه يصل إلى أقصاه، عظمة المسئولية الآن نحو الأولاد، فوجوههم وحموهم من الأفكار السيئة، احموهم من الذهاب إلى الاستراحات وإلى الرحلات إلى هنا وهناك، أحفظوهم لا تولوهم غيركم، ولا تأمنوا عليهم غيركم إلا من عرفتم فيه الصدق والأمانة والإخلاص وإلا فحافظوا عليهم وتابعوهم حتى في مضاجعهم لأن الأولاد وإن كانوا عندك إلا أن قلوبهم وأفكارهم بعيدا عنك تتابع ما ينشر في التويترات وفي ما يسمونه بالتواصل الإعلامي، بالتواصل الاجتماعي في هذه الآليات الدقيقة فهم جسمهم عندك وقلوبهم وأفكارهم تسرح وتمرح في خارج بيتك مع أصحاب هذه الأفكار، فأبعد عنهم وسائل الشر وحرص على تنقية بيتك من هذه الوسائل المدمرة، وأبعدها عنهم لا تقل إني لا أقدر عليهم تقدر عليهم لأنهم تحت مسئوليتك، ولو عرفوا منك الحزم والجد لتأدبوا معك؛ ولكن إذا عرفوا منك التساهل والتغاضي فإنهم سيتساهلون وسيدربون في طرق الشر إلا من رحم الله عز وجل.
فاتقوا الله عباد الله، حافظوا على أولادكم، أكثر ما يحامي راعي الغنم من الذئاب فإنهم مهددون بذئاب البشر الذين هم شر من ذئاب السباع، فحافظوا عليهم وهذا شيء صعب بلا شك؛ ولكن إذا صلحت نيتك وصدقت عزيمتك أعانك الله عز وجل وسهله عليك: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المسئولية عظيمة وأن الحساب دقيق وأن التبعة ثقيلة إلا من وفقه الله عز وجل وصلحت نيته وطابت سريرته فإن الله يعينه ويسدده ويسهل له أولاده يسهل الأولاد لوالدهم إذا رأوا منه الصدق والأمانة والحزم وعدم التساهل، لا تتساهل في الصغيرة قبل الكبيرة أبدا لا تتساهل فإن الشر يجر بعضه بعضا.
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
ثم اعلموا رحمكم الله إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد أمنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللَّهُمَّ أصلح سلطاننا وولي علينا خيارنا وكفنا شر شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أردد كيدهم في نحورهم وكفنا شرورهم، اللَّهُمَّ أحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلد آمنة مستقرة من كل سوء ومكروه ومن كل شر وفتنة وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، وجعل الدائرة على المجرمين والمفسدين من الكفار والمشركين والمنافقين واليهود والنصارى والعلمانيين وسائر الكفرة، اللَّهُمَّ أجعل الدائرة عليهم، اللَّهُمَّ دمرهم بما صنعت أيديهم، اللَّهُمَّ اجعل كيدهم في نحورهم واجعل سلاحهم في صدورهم إنك على كل شيء قدير.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
خطبة الجمعة 30-03-1435هـ