السؤال
عن معنى الغلّوّ في الدين؟ وما حُكم الإسلام في الغلّو؟
الاحابة
الجواب: بسم الله الرحمنالرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله و أصحابه
أجمعين وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
أما بعد فإنَّ هذا الدين- ولله الحمد- دين السماحة
واليُسر(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فهو وسطٌ واعتدال بين
الغلّوِ وبين التساهل، فلا إفراط ولا تفريط، والغلّو هو الزيادة في الشيء، يُقال
(غلا القدر) إذا زادَ وارتفع فيهِ الغليان، فالغلّو هو التشدد والتزيد في أمور الدين،
وقد أنكرَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
المُتشددين وقالَ (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ،هَلَكَ
الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) قَالَهَا
ثَلَاثًا، ولمّا جاءَ نفرٌ من أصحابهِ يسألونَ عَنْ
عَمَلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقتدوا بهِ، لما أُخبروا عن
عملهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أخبرتهم أُمهاتُ المؤمنين، زوجات
الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ
تَقَالُّوهَ،
ولكنهم التمسوا العُذر لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا
:أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وقَدْ غُفِرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا
أَنَا فأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وقَالَ الآخَرُ أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي ولا أنام،
وقال الثالث فأَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فلما أُخبرَ النبي-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم غَضِبَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وخطبَ وقال مَا بَالُ أقْوامٍ يقولون كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللَّهِ
، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، وإنِّي أَصُومُ
وَأُفْطِرُ، وَأُقومُ وَأَرْقُدُ،أو أقومُ وأنام، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ،
فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).
وما عُرفَ الغلّو والتطرّف والتشدد إلا
عن الخوارِج،والخوارِج فرقةٌ ضالّة مُتشددة، والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخبر عنهم، وأنكّرَ عليهم تشددهم، وحذّرَ منهم- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غاية التحذير، وأخبر أنهم سيكون لهم اتباع، ويكون لهم ورَثَة،
يستمر هذا إلى آخر الزمان وهذا من الابتلاء والامتحان على الأُمة، ولكنهُ حَذّرَ
منهم، لأنهم يقتلون المسلمين ويتركون الكفار! لأنهم ينحازون عن المسلمين، وينفردون
عن المسلمين ولا يأخذون العلم عن الصحابة، ولا عمن جاء بعدهم، فهذه صفات الخوارِج،
وهم قومٌ ضالون ولهم أتباع ينهجون هذا المنهج إلى آخر الوقت، حذّرَ منهم الرسول-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمنهم من يُعلن بمذهب الخوارج ويعتنقهُ
ويُنفذهُ، ويستّحل دماء المسلمين، ومنهم من لا يفعل ذلك لكنه يُسوّغ مذهبهم ويُثني
عليه، ويمدحهُ، وهؤلاء خوارِج يُسمون الخوارج القَعدة.
فعلى كُل حال هذا مذهبٌ باطِل، ومذهبٌ
مُنكّر، كما إنَّ الطَرَف الثاني وهُم أهل التساهل والتراخي في الدين، والتفريط في
الدين أيضًا مذمومون فلا إفراط ولا تفريط، لا غلّو ولا تساهل، وإنما ديننا وسط
واعتدال ولله الحمد، وهو ما مشى عليه الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هو وأصحابهُ ومن جاءَ بعدهُ- قالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وسَتَفْتَرِقُ
هَذِهِ الأُمَّةَ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ كُلُّهَا
فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً، قَالُوا :َمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:
(مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)، فهؤلاء هم
الفرقة الناجية، وما عداهم ممن خالفهم بغلّوٍ وتشدد أو بتساهل وتفريط فإنهُ ليس
منهم، وهو مسئول عن مذهبهِ وإفراطهِ أو تفريطه، فالدين دين الوسط والاعتدال ولله
الحمد، وهؤلاء الذين ينحونَّ منحى الخوارِج اليوم، هؤلاء هم خوارِج، خوارِج العصر،
مذهبهم مذهب الخوارِج السابقين، ويُتخذ معهم الإجراء الذي اتُخذَ مع الخوارِج
السابقين منعًا لِشرّهم، ودفعًا لضررهم عن الأُمة.
نسألُ الله- سبحانهُ وتعالى- أنَّ
يُوفقَ وليَّ أمرِنا، وأن يُوفقَ رجال الأمن، وأن يُوفق المسلمين عمومًا لمقاومةِ
هؤلاء، فإنَّ كل المسلمين رجال أمن كما قال الأمير نايف-رحمهُ الله- إنَّ كل
المسلمين رجال أمن يتعاونون.