السؤال
السؤال: نبدأ بتفسِر الآيات المُباركات والأخيرة في سورة الأعلى، في قولِ الحقِّ- تبارَك وتعالى- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14); وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15); بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْر وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19) [الأعلى].
الاحابة
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد للهِ رب العالمين وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، قال اللهُ- جلَّ وعلا-{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14); وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)(أَفْلَحَ): الفلاح وهو ضد الخَسَار، الفلاح هو الفوز والنجاة فهو كلمةٌ جامعة، (مَنْ تَزَكَّى) يعني طَهّرَ نفسهُ من الشركِ والمعاصي، (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ) ذكرَ اسم ربه ذكرُ الله –سبحانهُ وتعالى- عبادةٌ عظيمة وقد أمرَ الله- جّلَّ وعلا- بهِ في آياتٍ كثيرة، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(42)} [ الأحزاب]، ذكرُ الله يكون باللسان ،الثناء على الله باسمائِهِ وصفاتهِ ونعمهِ، ويكونُ أيضًا بالقلب اعتقادًا وإيمانًا، ويكونُ أيضًا بالأفعال، فالصلاة ذكرٌ لله- عزَّ وَجلّ- قال تعالى{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} بالعنكبوت 45]الصلاة ذكرٌ لله- عزَّ وجلّ- وفيها الثناء على الله، فهي ذكرٌ لله- عزَّ وجلّ- (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) يُذكَر الله- جلَّ وعلا- ويُثنى عليهِ باسماءه وصفاتهِ (اسْمَ) هنا مُضاف يشمل جميع اسماء الله- سبحانهُ وتعالى-لأنَّ المُفرَد إذا أُضيف يعّم، (فَصَلَّى ) صلى الصلاة المفروضة والصلوات المُستحبّة، لأنَّ الصلاة صِلةٌ بين العبدِ وربهِ- عزَّوجلّ- فهي أعظمُ أنواع العبادات ولهذا جاءَت بعد الشهادتين، فهي الرُكنُ الثاني من أركان الإسلام، (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى). ثُمَّ قالَ جلَّ وعلا- (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فمن الناس من يغفُلُ عن ذكرِ الله، ويغفُل عن الصلاة، ويشتغل بالدنيا، مع إنَّ الدُنيا مطيةٌ للآخرة، ومزرعةٌ للآخرة لمن استغلّها في طاعة الله،واستعانَ بها على عبادة الله- سبحانه وتعالى- فيجمع بين الصلاة والذكر وطلب الرزق، نَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ }[ العنكبوت 17]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة 10] ، هذا هو المنهج الذي يسير عليهِ المُسلِم، وأما الذي يؤثر الحياة الدنيا فهذا خاسِر،والدُنيا ستزول، والآخرة مُقبِلة، والثروات والأموال ستزول، ولا يبقى إلا العمل الصالِح الذي يخرُج بهِ من هذه الدنيا، (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) هذا من باب الإنكار، ثُمَّ قلَ-جلَّ وعلا- مُقارِنًا بين الدنيا والآخِرَة (وَالْآخِرَةُ خَيْر) من الدنيا، ( وَأَبْقَى) منها، لأنَّ الآخرة باقية دائمة، والدُنيا زائِلة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْر وَأَبْقَى) ثُمَّ قال- جلَّ وعلا- (إِنَّ هَذَا) ما ذُكِرَ في هذه السورة، من أولها إلى آخرها سورة الأعلى (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) مذكورٌ في الصُحف والكتُب الأولى قبلَ القُرآن، (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ) الخليل- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وموسى كليم الله، فهؤلاءِ أفضل النبيين بعد محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاللهُ- جلَّ وعلا- ضَمّنَ هذه السورة العظيمة ما في الصُّحُفِ الْأُولَى، وهذا من فضلهِ على هذه الأُمة، فلله الحمد والشُكر.