الكتاب
المقدِّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَائْدُ الغَّرُ المحَجَلِيْن نَبِيِّنَا مُحَمَّدُ وَعَلَىْ آَلِه وَصَحَبِه أَجْمَعِيْن.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ضيف هذا الدرس هوفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا اللقاء.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المتن: قرأنا ما جاء في باب الاستسقاء بالأنواء وبقي هذا الحديث: عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةَ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَاَنَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ ِالْكَوَاكِبِ» .
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.
الشرح: لايزال الكلام والأحاديث في باب الاستسقاء بالأنواء؛ عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «صَلَّى لَنَا» أي: صلى بنا رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «صَلَاةَ الصُّبْحِ» يعني: الفجر بالحديبية، وهي مكان قريب من مكة عند التنعيم. وعام الحديبية معروف حيث أن الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه جاءوا يريدون العمرة، فصدهم المشركون عن أداء العمرة صدوهم عن العمرة، ثم حصل تفاوض بين المشركين بين الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن يرجع هو وأصحابه هذا العام وأن يأتوا للعمرة في العام القادم. تم الصلح على ذلك، فنحروا هديهم ورجعوا حلو امن إحرامهم؛ لأن هذا من الإحصار وهذا يعتبر من الإحصار، (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) حلَّوا من إحرامهم وذبحوا هديهم في الحديبية ورجعوا إلى المدينة. (صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ» أي: بعد نزول مطر، السماء المراد بها: المطر، سُّمي سماء لأنه نازل من السماء، «عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ» من ليلتهم التي صلوا في صبيحتها صلاة الفجر. «فَلَمَّا انْصَرَفَ» -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه إذا فرغ من الصلاة سلم عن يمينه وعن شماله، ويستغفرالله ثلاثًا، ثم يقول: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ». ثم ينصرف بوجهه إلى المسلمين، وهذه سنة للإمام أنه لا يستمر يستقبل القبلة بعد السلام بل ينصرف إلى المأمومين.
فلما أقبل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجهه على أصحابه سألهم؛ هذا من باب التعليم على طريق السؤال والجواب؛ لأن ذلك أثبت في الذهن؛ سألهم فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» هذا فيه دليل على أن الإنسان إذا سأل عن مسألة من العلم ومن الدين وهو لا يدري أنه لا يتخرص بل يرد الأمر إلى الله ورسوله، قَالُوا: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ». قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي» فذلك أن من نسب المطر إلى النوء أو إلى النجم فهذا كافر بالله -عزوجل- مؤمن بالكوكب؛ لأنه نسب نزول المطر إلى الكوكب، جعله شريكًا لله -سبحانه وتعالى- هذا خطرٌ عظيم، «فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» هذا محل الشاهد «مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» يعني بسبب نوء كذا؛ فذلك كافر بالله مؤمن بالكوكب، وأَمَّا مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ»؛ لأنه نسب إنزال المطر إلى الله -سبحانه وتعالى- الذي بيده الأمر، الذي ينزل الغيث -سبحانه وتعالى- فدل هذا على أن نسبة المطر نزول المطر إلى أنواء أو إلى طلوع النجوم أو غروبها أن هذا من أمور الجاهلية؛ وهو كفر بالله -عزوجل- وأن نسبة المطر إلى الله -عزوجل- توحيد وإيمانُ بالله -سبحانه وتعالى- وبناءًا على ذلك يجب على المسلمين أن ينسبوا نزول الأمطار إلى الله -جل وعلا- لا إلى المنخفضات كما يقولون؛ أو إلى غير ذلك من الأحوال الفلكية وإنما ينسبون الإمطار إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهذا هو التوحيد، وهو الإيمان لله -عزوجل- ولا يتساهل الإنسان في هذه الأمور التي تخدش عقيدته فينسب أفعال الله -جل وعلا- إليه لا إلى غيره.
المتن: وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، فَأنَزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ: (فَلا أُقْسِمُ بِموَاقِعِ النُّجُومِ) إلى قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
الشرح: وهذا الحديث يُبين سبب نزول الآية فالله -جل وعلا- قال: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) إلى قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، رزقكم يعني المطر أنكم تنسبونه إلى غير الله -سبحانه- كما قال هذا الرجل أو بعضهم قال: لما نزل المطر قالوا: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»، فنسبوا المطر إلى النوء؛ وهذا كذب على الله -سبحانه-: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) فالذي أنزل المطر هو الله ونسبته إلى الله توحيد ونسبته إلى غير الله شرك بالله -عزوجل-، فهذا فيه نسبة تحريم نسبة الأمطار إلى الأنواء أو إلى المنخفضات أو إلى أي شيء من الأحوال الفلكية، فيجب على أهل الحساب من المسلمين أن يتحفظوا من هذه الألفاظ وأن ينسبوا أفعال الله -جل وعلا- من أنزال المطر وغيره إلى الله -جل وعلا- هذا هو تحقيق التوحيد. وهذا هو الواجب على كل مسلم ولا يتساهل في هذا الأمر .
المتن: قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيه مسائل؛
الأول: تفسير آية الواقعة:
الشرح: نعم هذه الآية من آخر سورة الواقعة (إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ) تفسيرها (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنسبون إنزال المطر إلى الأنواء .
المتن: الثانية: ذكر الأربع التي هي من أمر الجاهلية:
الشرح: نعم الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء أو بالنجوم، والنياحة على الميت، وأن هذه من أمور الجاهلية؛ وكل ما كان من أمور الجاهلية فإنه مذموم ودلَّ على أن من قامت فيه خصلة من خصال الجاهلية لا يكفر بذلك لكن يكون عنده نقص في دينه وفي عقيدته.
المتن: الخامسة: قوله: « أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ» بسبب نزول النعمة.
الشرح: نعم من نسب النعمة إلى غير الله، من نسب حصول النعمة إلى غير الله فذلك كافرُ بالله لأنه نسب أفعال الله إلى غيره، وهذا كفر بالله -عزوجل -.
المتن: السادسة: التفطن للأيمان في هذا الموضع .
الشرح: أصبح مؤمن بي وكافر، تفطن للإيمان والمحافظة عليه من هذه الألفاظ ومن هذه المصطلحات الجاهلية، وفيه على عوائد الناس، وفيه الحث على تعلّم العقيدة، تعلّم عقيدة التوحيد، وتعلّم أيضا ما يخدش العقيدة، كما تتعلّم التوحيد وتعرف أنواعه، أيضا تتعلّم معنى الشرك وأنواع الشرك الذي هو ضد التوحيد، حتى تتجنبه؛ لأن بعض الناس يقول لماذا تعلمون الشرك والناس مسلمين؟! نقول: نعم مسلمون لكن يُخشى عليهم أن يدخل عليهم الشرك من حيث يشعرون أو لا يشعرون، الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يأمن من أنه ينحرف عن دينه أو يبتلى أو يفتتن، إبراهيم الخليل عليه -الصلاة والسلام- قال في دعائه لربه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ). المؤمن يخاف على عقيدته، يخاف على دينه فيتعلّم التوحيد، ويتعلّم ما يضاده من الشرك وأنواعه، حتى يتجنبه.
المتن: السابعة: التفطن للكفر في هذا الموضع.
الشرح: الكفر معناه نسبة النعمة أو نزول المطر إلى غير الله يسمى هذا كفرًا
المتن: المسألة الأخرى إخراج العالم للمتعلّم المسألة بالإستفهام عنها لقوله: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»
الشرح: هذا الذي ذكرنا أنه في تعليم أنه في تعليم العلم عن طريق السؤال والجواب ليكون ذلك أوقع في الذهن، مما لو ألقى عليه العلم ابتداءً بدون أن يسأله.
المتن: المسألة الأخرى التفطن لقوله: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»
الشرح: أن هذا شرك تفطّن لهذا الخطر لهذه الكلمة، إذا نزل المطر يقال: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»، فينسب هذا إلى النوء، وهذا مما لا شك أنه خدش للعقيدة، سببه إما الجهل وإما عدم المبالاة، أو مجاراة الناس فيما يقولون دون تنبه لذلك.
المتن: العاشرة والمسألة الأخيرة في هذا الدرس: وعيد النائحة.
الشرح: نعم إذا لم تتب قبل موتها، دلّ على عرض التوبة عليها أن تتوب قبل موتها، فإذا ماتت ولم تتب تقام يوم القيامة من قبرها حين يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، وعليها سربالٌ، لباس من قطران والعياذ بالله، لباس من قطران ودرع من جرب والحكة الشديدة، ليكون ذلك أبلغ في تعذيبها بسبب النياحة على الميّت، وإظهار الجزع لقضاء الله وقدره.
فقرة الأسئلة:
السؤال: الاستسقاء بالأنواء هل نقول بأنه شرك أكبر؟
الجواب: إذا كان يعتقد أن الأنواء هي التي أحدثت المطر فهو شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنها سببٌ للمطر فهو شرك أصغر، يجب أن ينسب الأمور إلى الله -سبحانه وتعالى-.
السؤال: إضافة هذه الأربعة إلى أمر الجاهلية؛ ما السبب في إضافتها ؟
الجواب: لأنها منحدرة من أمور الجاهلية؛ لأن هم أهل الجاهلية هم الذين يتصفون بهذه الأمور.
السؤال: سمعنا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفخر بالأحساب، لكنه قال: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبٌ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ألا يعد هذا فخر؟
الجواب: لا؛ هذا ما هو فخر، هذا انتساب، الإنسان ينتسب، تقول أنا من قبيلة كذا، أنا من بني فلان، لا بأس بذلك.
في هذا الباب وما ورد فيه من الآيات والأحاديث فيه الحث على تعلّم العقيدة، وتعلّم ما يضادها، حتى يتجنبه، وأن الإنسان لا يتساهل في هذه الألفاظ أو يتجارى مع الناس، ولكن يتعلّم العقيدة الصحيحة وما يضادها أو ينقصها، والحمدلله الكتب في العقيدة ميسرة ومحررة ومدروسة ومقررة أيضا في المدارس وفي المعاهد والكليات وفي المساجد، فما على المسلم إلا أن ينتسب إلى هذه المجالات العلمية ليتعلّم أمور دينه لاسيّما عقيدته.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ضيف هذا الدرس هوفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا اللقاء.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المتن: قرأنا ما جاء في باب الاستسقاء بالأنواء وبقي هذا الحديث: عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةَ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَاَنَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ ِالْكَوَاكِبِ» .
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.
الشرح: لايزال الكلام والأحاديث في باب الاستسقاء بالأنواء؛ عَنْ زَيْدٍ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «صَلَّى لَنَا» أي: صلى بنا رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «صَلَاةَ الصُّبْحِ» يعني: الفجر بالحديبية، وهي مكان قريب من مكة عند التنعيم. وعام الحديبية معروف حيث أن الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه جاءوا يريدون العمرة، فصدهم المشركون عن أداء العمرة صدوهم عن العمرة، ثم حصل تفاوض بين المشركين بين الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن يرجع هو وأصحابه هذا العام وأن يأتوا للعمرة في العام القادم. تم الصلح على ذلك، فنحروا هديهم ورجعوا حلو امن إحرامهم؛ لأن هذا من الإحصار وهذا يعتبر من الإحصار، (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) حلَّوا من إحرامهم وذبحوا هديهم في الحديبية ورجعوا إلى المدينة. (صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ» أي: بعد نزول مطر، السماء المراد بها: المطر، سُّمي سماء لأنه نازل من السماء، «عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ» من ليلتهم التي صلوا في صبيحتها صلاة الفجر. «فَلَمَّا انْصَرَفَ» -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه إذا فرغ من الصلاة سلم عن يمينه وعن شماله، ويستغفرالله ثلاثًا، ثم يقول: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ». ثم ينصرف بوجهه إلى المسلمين، وهذه سنة للإمام أنه لا يستمر يستقبل القبلة بعد السلام بل ينصرف إلى المأمومين.
فلما أقبل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجهه على أصحابه سألهم؛ هذا من باب التعليم على طريق السؤال والجواب؛ لأن ذلك أثبت في الذهن؛ سألهم فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» هذا فيه دليل على أن الإنسان إذا سأل عن مسألة من العلم ومن الدين وهو لا يدري أنه لا يتخرص بل يرد الأمر إلى الله ورسوله، قَالُوا: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ». قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي» فذلك أن من نسب المطر إلى النوء أو إلى النجم فهذا كافر بالله -عزوجل- مؤمن بالكوكب؛ لأنه نسب نزول المطر إلى الكوكب، جعله شريكًا لله -سبحانه وتعالى- هذا خطرٌ عظيم، «فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» هذا محل الشاهد «مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا» يعني بسبب نوء كذا؛ فذلك كافر بالله مؤمن بالكوكب، وأَمَّا مَنْ قَالَ: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ»؛ لأنه نسب إنزال المطر إلى الله -سبحانه وتعالى- الذي بيده الأمر، الذي ينزل الغيث -سبحانه وتعالى- فدل هذا على أن نسبة المطر نزول المطر إلى أنواء أو إلى طلوع النجوم أو غروبها أن هذا من أمور الجاهلية؛ وهو كفر بالله -عزوجل- وأن نسبة المطر إلى الله -عزوجل- توحيد وإيمانُ بالله -سبحانه وتعالى- وبناءًا على ذلك يجب على المسلمين أن ينسبوا نزول الأمطار إلى الله -جل وعلا- لا إلى المنخفضات كما يقولون؛ أو إلى غير ذلك من الأحوال الفلكية وإنما ينسبون الإمطار إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهذا هو التوحيد، وهو الإيمان لله -عزوجل- ولا يتساهل الإنسان في هذه الأمور التي تخدش عقيدته فينسب أفعال الله -جل وعلا- إليه لا إلى غيره.
المتن: وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، فَأنَزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ: (فَلا أُقْسِمُ بِموَاقِعِ النُّجُومِ) إلى قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
الشرح: وهذا الحديث يُبين سبب نزول الآية فالله -جل وعلا- قال: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) إلى قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، رزقكم يعني المطر أنكم تنسبونه إلى غير الله -سبحانه- كما قال هذا الرجل أو بعضهم قال: لما نزل المطر قالوا: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»، فنسبوا المطر إلى النوء؛ وهذا كذب على الله -سبحانه-: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) فالذي أنزل المطر هو الله ونسبته إلى الله توحيد ونسبته إلى غير الله شرك بالله -عزوجل-، فهذا فيه نسبة تحريم نسبة الأمطار إلى الأنواء أو إلى المنخفضات أو إلى أي شيء من الأحوال الفلكية، فيجب على أهل الحساب من المسلمين أن يتحفظوا من هذه الألفاظ وأن ينسبوا أفعال الله -جل وعلا- من أنزال المطر وغيره إلى الله -جل وعلا- هذا هو تحقيق التوحيد. وهذا هو الواجب على كل مسلم ولا يتساهل في هذا الأمر .
المتن: قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيه مسائل؛
الأول: تفسير آية الواقعة:
الشرح: نعم هذه الآية من آخر سورة الواقعة (إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ) تفسيرها (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنسبون إنزال المطر إلى الأنواء .
المتن: الثانية: ذكر الأربع التي هي من أمر الجاهلية:
الشرح: نعم الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء أو بالنجوم، والنياحة على الميت، وأن هذه من أمور الجاهلية؛ وكل ما كان من أمور الجاهلية فإنه مذموم ودلَّ على أن من قامت فيه خصلة من خصال الجاهلية لا يكفر بذلك لكن يكون عنده نقص في دينه وفي عقيدته.
المتن: الخامسة: قوله: « أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ» بسبب نزول النعمة.
الشرح: نعم من نسب النعمة إلى غير الله، من نسب حصول النعمة إلى غير الله فذلك كافرُ بالله لأنه نسب أفعال الله إلى غيره، وهذا كفر بالله -عزوجل -.
المتن: السادسة: التفطن للأيمان في هذا الموضع .
الشرح: أصبح مؤمن بي وكافر، تفطن للإيمان والمحافظة عليه من هذه الألفاظ ومن هذه المصطلحات الجاهلية، وفيه على عوائد الناس، وفيه الحث على تعلّم العقيدة، تعلّم عقيدة التوحيد، وتعلّم أيضا ما يخدش العقيدة، كما تتعلّم التوحيد وتعرف أنواعه، أيضا تتعلّم معنى الشرك وأنواع الشرك الذي هو ضد التوحيد، حتى تتجنبه؛ لأن بعض الناس يقول لماذا تعلمون الشرك والناس مسلمين؟! نقول: نعم مسلمون لكن يُخشى عليهم أن يدخل عليهم الشرك من حيث يشعرون أو لا يشعرون، الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يأمن من أنه ينحرف عن دينه أو يبتلى أو يفتتن، إبراهيم الخليل عليه -الصلاة والسلام- قال في دعائه لربه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ). المؤمن يخاف على عقيدته، يخاف على دينه فيتعلّم التوحيد، ويتعلّم ما يضاده من الشرك وأنواعه، حتى يتجنبه.
المتن: السابعة: التفطن للكفر في هذا الموضع.
الشرح: الكفر معناه نسبة النعمة أو نزول المطر إلى غير الله يسمى هذا كفرًا
المتن: المسألة الأخرى إخراج العالم للمتعلّم المسألة بالإستفهام عنها لقوله: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟»
الشرح: هذا الذي ذكرنا أنه في تعليم أنه في تعليم العلم عن طريق السؤال والجواب ليكون ذلك أوقع في الذهن، مما لو ألقى عليه العلم ابتداءً بدون أن يسأله.
المتن: المسألة الأخرى التفطن لقوله: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»
الشرح: أن هذا شرك تفطّن لهذا الخطر لهذه الكلمة، إذا نزل المطر يقال: «لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا»، فينسب هذا إلى النوء، وهذا مما لا شك أنه خدش للعقيدة، سببه إما الجهل وإما عدم المبالاة، أو مجاراة الناس فيما يقولون دون تنبه لذلك.
المتن: العاشرة والمسألة الأخيرة في هذا الدرس: وعيد النائحة.
الشرح: نعم إذا لم تتب قبل موتها، دلّ على عرض التوبة عليها أن تتوب قبل موتها، فإذا ماتت ولم تتب تقام يوم القيامة من قبرها حين يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، وعليها سربالٌ، لباس من قطران والعياذ بالله، لباس من قطران ودرع من جرب والحكة الشديدة، ليكون ذلك أبلغ في تعذيبها بسبب النياحة على الميّت، وإظهار الجزع لقضاء الله وقدره.
فقرة الأسئلة:
السؤال: الاستسقاء بالأنواء هل نقول بأنه شرك أكبر؟
الجواب: إذا كان يعتقد أن الأنواء هي التي أحدثت المطر فهو شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنها سببٌ للمطر فهو شرك أصغر، يجب أن ينسب الأمور إلى الله -سبحانه وتعالى-.
السؤال: إضافة هذه الأربعة إلى أمر الجاهلية؛ ما السبب في إضافتها ؟
الجواب: لأنها منحدرة من أمور الجاهلية؛ لأن هم أهل الجاهلية هم الذين يتصفون بهذه الأمور.
السؤال: سمعنا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفخر بالأحساب، لكنه قال: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبٌ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ألا يعد هذا فخر؟
الجواب: لا؛ هذا ما هو فخر، هذا انتساب، الإنسان ينتسب، تقول أنا من قبيلة كذا، أنا من بني فلان، لا بأس بذلك.
في هذا الباب وما ورد فيه من الآيات والأحاديث فيه الحث على تعلّم العقيدة، وتعلّم ما يضادها، حتى يتجنبه، وأن الإنسان لا يتساهل في هذه الألفاظ أو يتجارى مع الناس، ولكن يتعلّم العقيدة الصحيحة وما يضادها أو ينقصها، والحمدلله الكتب في العقيدة ميسرة ومحررة ومدروسة ومقررة أيضا في المدارس وفي المعاهد والكليات وفي المساجد، فما على المسلم إلا أن ينتسب إلى هذه المجالات العلمية ليتعلّم أمور دينه لاسيّما عقيدته.