الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه، شرع لعباده التزاوج لإنجاب الأولاد، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهدتاً أدخرها ليوم المعاد، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من سائر العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأمجاد، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن لأولدكم عليكم حقوقاً كما أن لكم عليهم حقوق، فأدوا لهم حقوقهم ليؤدوا لكم حقوقكم، فإن الجزاء من جنس العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: بروا أباءكم تبر أبناءكم .
عباد الله، إن الإسلام قد اعتنى بالذراري، والأولاد عنايةً تامة لأن الأولاد والذراري هم أبناء الإسلام وهم الذي يخلفون أباءهم ويقومون بالمهمات الإسلامية، فلذلك يجب العناية بهم من قبل والديهم ومن قبل ولاة الأمور حتى ينشئوا على الخير، ويتربوا على البر، ويكونوا خير خلف لخير سلف، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون الله أن يرزقهم ذرية طيبة قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام :(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ)، وقال زكريا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) فليس المقصود حصول الذرية فقط، إنما المقصود الذرية الصالحة والذرية الطيبة ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة المستقيمة في دينها لأنها هي التربة التي يلقي فيها الرجل بذوره لتنبت له الزرع الطيب والنبات الطيب قال الله جل وعلا: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وقال صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فظفر بذات الدين تربت يداك فذات الدين هي التي يحرص عليها المسلم دون النظر إلى جمالها أو حسبها أو مالها وإنما ينظر إلى دينها لأنها يريدها لتنجب له ذرية طيبة وهذا هو المطلوب، أما الجمال وأما المال وأما الحسب فإنها أمور تذهب ولا يبقى لها أثر بخلاف الدين فإنها تبقى أثاره وتستمر، ثم إذا ولد للمسلم مولود فإنه يحمد الله على ذلك ويشكره، ثم يختار له الاسم الحسن الموافق للأسماء الأنبياء والصالحين قال صلى الله عليه وسلم: خير الأسماء عبدالله وعبدالرحمن فيعبده لله عز وجل، وكذلك يشرع له أن يعق عنه بأن يذبح عنه العقيقة يذبحها عنه ليفك بها عنه أسر الشيطان، يذبح عن الغلام للذكر شاتين وعن الجارية شاة يذبحها في البيت ويوزع منها ويأكل منها ويفرح بها أهل البيت تكون شكراً لله سبحانه ولها تأثير على المولود لاه تأثير طيب على المولود، ثم إذا بلغ المولود سبع سنين وميز صار يميز فإنه يأمره بالصلاة، وإذا بلغ العشر فإنه يضربه عليها ويفرق بين الذكر والأنثى وبين الأولاد في المضاجع فلا يتركهم ينامون جميعاً في فراش واحد خشيةً عليهم من الفتنة قال صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها يعني إذا تركوها تكاسلوا عنها اضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع هذا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم نحو الأولاد أن يأمروا لسبع وأن يضربوا لعشر وأن يربوا على الفضيلة لا كما تقوله الصحف اليوم وأهل الشر من التحذير من العنف الأسري بمعنى أنكم لا تربوا أولادكم أتركوهم على أهواءهم ورغباتهم لأن تربيهم على الخير وتأديبهم عن الشر يسمونه بالعنف الأسري قبحهم الله، ومن لازم أمرهم بالصلاة من لازم ذلك أن يعلمهم أحكام الطهارة وأن يعلمهم القرآن الذي يقرؤون به في الصلاة ويعلمهم الأذكار التي تقال في الصلاة ويعلمهم كيفية الصلاة ويأخذ الذكران منهم إلى المسجد وهم صغار ليربيهم على صلاة الجماعة والاختلاط بالمسلمين في الصلاة وذكر الله سبحانه تعالى كل هذه أمور حملة على الآباء من الأب والأم كلهم مسئول عن ذلك نحو أولادهم ولا يكفي هذا بل على الوالدين أن يربوا أولادهم على الخصال الطيبة والآداب الشرعية وأن يحموهم من قرناء السوء ومن جلساء السوء يتفقدونهم في البيوت ويتفقدونهم في الشوارع ويفقدونهم في المدارس فلا يتركونهم يذهبوا إلى ما شاءوا ويختلطون بمن شاءوا خصوصاً في هذا الوقت الذي كثر فيه الشر وكثر من يتلقفون الأطفال ليفسدوا عقيدتهم ويفسدوا أخلاقهم فلا يترك الوالد ولده يذهب إلى حيث شاء إلى التجمعات المشبوهة في الاستراحات أو الرحلات أو في غير ذلك من التجمعات التي يغزوها أهل الشر ويبثوا سمومهم بين الأولاد يبث فيهم شر الدخان وشر المسكر وتعاطي المخدرات وأعظم من ذلك كله يلقننهم الأفكار الخبيثة الأفكار السيئة فينشون مبغضينا لمجتمعهم حتى يكونون مبغضين لوالديهم وأقاربهم يربوا في قلبوهم النفره من مجتمعهم ولذلك يحملون السلاح في وجه مجتمعهم يفجرون ويخربون ويكفرون كل هذا نتيجة لإهمال الآباء ترك أولادهم يهيمون ويسرحون أين ما شاءوا لأن الوالد مشغل بدنياه وبتجارته وبمكاسبه ولا يسأل عن أولاده والأم مشغولة في وظيفتها ودراستها وترك التربية للمربيات الآتي لا يشفقنا على الأولاد وربما يكنَّ مربيات سيئات فمن أين يصلح الصلاح للأولاد مع هذه الأمور الخطيرة؟ فعلى الوالدين أن يتنبهوا لذلك.
عباد الله، إن من يرى أخلاقيات وسلوكيات الأولاد في هذا البلاد يندا لها الجبين تراهم يلعبون في السيارات المثمنة يلعبون بها في التفحيط فيعرضوا أنفسهم ويعرضوا غيرهم للأخطار وينزع منهم الحياء ويتلفون الأموال، ما هذه التربية؟ هذه تربية سيئة تراهم يكتبون على الجدران ويلوثون المباني بكتابات قبيحة وربما يكتبون أشعاراً هابطة وأشعاراً سيئة تلقفوها من غيرهم من جلساء السوء أو تلقفوها من وسائل الإعلام والفضائيات فنشروها على الجدران هذا يدل هذه الكتابات السيئة تدل على من كتبها منحرف في فكره وفي سلوكه وأنه تربى على الشر هذا لا يوجد حتى في بلاد الكفار هذه لا يوجد هذه السلوكيات وهذه المظاهر السيئة وهذا مسبه على الإسلام فالعدو إذا رأى هذه المظاهر سار يصف الإسلام بأنه دين الإهمال ودين العنف ودين القسوة لأن يرى هذه السلوكيات المنحرفة في أخلاقهم وفي تصرفاتهم فينسب هذا إلى الإسلام والإسلام منه بريء.
فتقوا الله، عباد الله، حافظوا على أولادكم كما تحافظون أو أشد على أموالكم كما تحافظون على الدواب التي عندكم من السراق ومن الذئب ومن الافتراس أولادكم أغلى من ذلك، حافظوا على أولادكم لأنكم في زمان كما تعلمون انتشرت في الشرور والفتن وغزانا العدو بكل وسيلة بإفساد أبنائنا وبناتنا فلنكن على حذر من ذلك.
فتقوا الله، عباد الله، واهتموا بأولادكم، اتجهوا إلى أولادكم قبل أن يخرجوا عن سيطرتكم وقبل أن لا تستطيعوا إرجاعهم إلى الأخلاق الطيبة السلوك الحسن
إن الغصون إذا اعتدتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب
إذا فات الأوان فلن تستطيع أن ترد أولادك وإنما تبقى الحسرة على قلبك والأسى في نفسك على أولاد ضيعتهم فصاروا حرباً عليك وعلى مجتمعك.
فتقوا الله، عباد الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن صلاح الأولاد لا يكون إلا بسبب يبذله الوالد لا يحصل الصلاح إلا بأسباب يبذلها الوالد من العناية بهم وتربيتهم على الخير والصلاح والاستقامة لا شكا أن الوالد سيقاصي تعباً في تربية أولاده فليصبر على ذلك يصبر لأن هذا واجبه وهم أولاده وهو المسئول عنهم أمام الله جل وعلا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، إن الأولاد إذا صلحوا نفعوا أولادهم أحياً وأمواتاً فينفعونهم بالبر والصلة والإحسان إليهم خصوصاً عند الكبر والحاجة ويحسنون إليهم بعد موتهم بتنفيذ وصاياهم والقيام على أوقاتهم والقيام على أخوانهم وأخواتهم الصغار وكذلك يدعون لهم ويتصدقون عنهم ويحجون ويعتمرون عنهم بر بهم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له ، فربوا أولادكم على الخير لتحصلوا على هذه الفوائد العظيمة ولتأدوا واجبكم نحوهم.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وردد كيده في نحره، وكفنا شره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم أصلح إمامنا وفقه لما فيه الخير والصلاح للإسلام والمسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح بطانتهم وجلسائهم ومستشاريهم ومن حولهم، اللهم أبعد عنهم جلساء السوء وبطانة السوء يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.