الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين أمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله الحكيم العليم، الخلاق الرزاق، وأشهدٌ أن محمداً عبدُه ورسوله، رفيع إلى السماء ليلة المعراج حتى جاوز السبع الطباق وهناك فرضت عليه الصلوات الخمس بالاتفاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دينه في الآفاق، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعملوا أن الصلوات الخمس لها مكانة عظيمة عند الله، وعند عباده المؤمنين، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ، وهي أول ما يحاسب عنه العبد من عمله، فإن قبلت قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله، وهي الفارقة بين المسلم والكافر قال صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة .
عباد الله، والصلاة لا يؤديها الإنسان على حسب هواه ورغبته، وإنما يؤديها كما أمره الله سبحانه وتعالى فيؤديها في وقتها كما قال سبحانه:(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي مفروضاً في الأوقات، ويؤديها مع الجماعة في المساجد، فصلاة الجماعة في المساجد فرض على كل مسلم في الحضر والسفر وحتى في الخوف، فصلاة الجماعة فرض وليست مستحبة فقط، وإنما هي فرض على كل مسلم من الرجال يطيق الحضور إليها في المساجد مع المسلمين، فصلاة الجماعة أمروها عظيم وليست من الأمور الهينة أو الأمور المستحبة فقط وإنما هي فريضة، ولهذا أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أول ما بدأ به بناء المسجد ليجمع المسلمين للصلوات الخمس وحضور الدروس والتعليم، فأول ما بدأ به حين قدومه الشروع في بناء المسجد ثم دعا الناس إلى الحضور وأمر المؤذن أن يؤذن لها إذا دخل الوقت ليجتمعوا لأدائها، والذي يصلي في الجماعة يحصل على أجور كثيرة عظيمة، فالمشي إليها يكتب له خطواته ذهابا وإيابا، كان جماعة من الصحابة من بني سليمة من الأنصار كانت بيوتهم بعيدةً عن المسجد فهموا أن يشتروا بيوتاً قريبةً من المسجد فعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: يا بني سليمة دياركم تكتب آثاركم ، كان رجل من الأنصار بعيد الدار عن المسجد وكانت لا تخطئه صلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: لو انك اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء قال:ما أحب أن يكون لي ذلك إني أريد أن تكتب خطواتي إلى المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله، وأنزل الله جل وعلا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)وآثارهم أي خطاهم إلى المسجد قال صلى الله عليه وسلم: بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ، انتظار الصلاة في المسجد حتى تقام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي ينتظر الصلاة أي أنه يكتب له أجر المصلي ما دام ينتظر الصلاة ما دامت الصلاة تحبسه فهو في صلاة أي يكتب له أجر المصلي فإذا أداها مع الجماعة كتب الله له صلاته في الجماعة أجور كثيرة وخيرات وفيرة، ولله الحمد في هذه الصلاة، ومع هذا يخف ميزانها على بعض الناس يخف في ميزانها على بعض الناس فلا يحضرون صلاة الجماعة وربما يقول قال متحذلق إن صلاة الجماعة سنة وليست واجبة ويلغي كل النصوص التي توجب صلاة الجماعة على الأعيان، لقد كان صلى الله عليه وسلم يتوعد من يتخلفون عن صلاة الجماعة ويصفهم بالنفاق قال صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولوا حبوا، ولقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً يؤم الناس ثم أخالف ومع رجال معهم حزم من حطب إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ، وفي رواية عند الإمام أحمد: لولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقتها عليهم فوصفهم بالمنافق، والعياذ بالله، وهما أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار وهذه عقوبة شديدة، تدل على تأكد صلاة الجماعة وأن تاركها يستحق العقوبة، وقال صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض جاءه رجل أعمى يستأذنه أن يصلي في بيته من أجل ما يلقى في طريقه إلى المسجد من المشقة وليس له قائد يلائمه فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء؟ قال: نعم ، قال: أجب فإني لا أجد لك رخصة ، فإذا كان الأعمى الذي يجد المشقة والمخاوف بينه وبين المسجد لا تسقط عنه صلاة الجماعة وعليه أن يدبر شأنه ويجعل له قائداً يقوده إلى المسجد ولا تسقط عنه صلاة الجماعة فكيف بمن تركها من غير عذر، ولهذا وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق، والنفاق والعياذ بالله خصلة ذميمة لأن المنافق هو الذي يظهر الخير ويبطن الشر، والمنافقون (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، وقد قال الله جلَّ وعلا فيهم:( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، وقال فيهم:( وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ).
عباد الله، فلننظر حالنا الآن مع صلاة الجماعة، كم يحضر في المسجد؟ وكم يتخلف من جيران المسجد؟ كم يتخلف من الناس؟ لو أن الناس حضروا إلى المسجد لضاقت المساجد لكثرة السكان التي لا تخافاكم البيوت ملئ بالرجال فلو أنهم حضروا إلى المسجد لضاقت بهم المساجد ولكن كما ترون لا يخضر إلا النزر القليل والكثيرون يتخلفون عن صلاة الجماعة فيرضون لأنفسهم أن يكونوا مع المنافقين نسأل الله العافية وهم لا عذر لهم، في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المنافق في بيته أو هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ، هذه حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صلاة الجماعة واهتمامهم بها، فكيف تخف صلاة الجماعة على من هو من المسلمين ويعيش مع المسلمين وبيته إلى جانب المسجد وهو من جيران المسجد، وقد جاء في الأثر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد .
فتقوا الله، عباد الله، بل إن بعض المتحذلقين في الصحف يكتب وينكر أن تغلق الدكاكين والحوانيت لصلاة الجماعة ينكر هذا والله جلَّ وعلا يقول:(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ أي المساجد وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)، ويقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) فكيف يجلس المسلم في دكانه أو في متجره ويترك صلاة الجماعة، إن هذا قد ألهه ماله عن ذكر الله عز وجل وارتكب ما نهاه الله عنه.
فتقوا الله، عباد الله، وحافظوا على صلاة الجماعة ولا تكونوا من المنافقين لا يغلبنكم الكسل، إن الكثير من الناس يسهرون الليل في إذا أقبل الصباح ناموا وتركوا صلاة الفجر في وقتها وأخروها إلى ما بعد طلوع الشمس أو متى ما يقومون، وتركوا صلاة الجماعة مع المسلمين، فارتكبوا جريمتين عظيمتين.
فتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن الأجل قريب وأن الدنيا قصيرة وأن مرد الجميع إلى الله وأن هناك كتاباً قد أحصيت فيه جميع أعمالنا (لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا).
فتقوا الله، عباد الله، وحافظوا على هذه الصلاة حيث ينادى بها، وأنتم تسمعون النداء وحثوا أولادكم وألزموهم بصلاة الجماعة بل كل من في بيوتكم حتى من الضيوف الذين ينزلون عندكم لا تتركوهم يصلون في البيوت قال الله جل وعلا:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
اتقوا الله، وصبروا على دينكم، وحافظوا عليه، لا يغرنكم المخذلون والمرجفون والمتعالمون والمنافقون لا يغروكم، فتزهدوا في صلاة الجماعة وتتأخر عنها، فإنهم لا ينقذونكم يوم القيامة، لا ينقذونكم من عذاب الله، فتقوا الله، عباد الله، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله، وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، قال صلى الله عليه وسلم: ما من أهل قرية لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ألا وإن الشيطان ذئب الإنسان ، إن الشيطان يحاول مع ابن آدم أن يهلكه وأن يصرفه عن دينه ولاسيما الصلاة فإن استطاع أن يمنعه من الصلاة نهائياً ويحمله على تركها فعل ذلك فأخرجه من الإسلام، وإن لم يستطع فإنه يثبته عن حضور صلاة الجماعة ويقول له: شياطين الإنس والجن إن صلاة الجماعة ليست بواجبة صلي في بيتك فيصلي في بيته ثم يتدرج به الشيطان إلى أن يأمره بتأخير الصلاة عن وقها ويقول الوقت واسع صلي متى شئت والدين يسر وما أشبه ذلك فيضيع عليه الوقت ثم ينقله بعد ذلك إلى ترك الصلاة ويقول له شياطين الإنس والجن الدين ليس بالصلاة الدين بالأمانة وبالأعمال وبالأخلاق وبالمعاملات ليس الدين هو الصلاة كما نسمعه ونقرؤه عن هؤلاء المنافقين الذين هم خدم الشيطان ويردون أن يصرفوا المسلمين عن دينهم.
فتقوا الله، عباد الله، فمن حافظ على الصلاة حافظ على غيرها من باب أولى كما قال جل وعلا:(وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) فلا دين لمن لا صلاة له وصلاة لمن لا يصلي مع الجماعة من غير عذر، ولا صلاة لمن أخرج الصلاة عن وقتها من غير عذر.
فتقوا الله، عباد الله، حافظوا على صلاتكم فإنها عمود إسلامكم، وهي أول ما تحاسبون عنه يوم القيامة من أعمالكم، إن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت فراقه للدنيا وهو في سكرات الموت يقول: عباد الله الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم فما زال يكررها حتى ثقل به لسانه فلم يستطع النطق عليه الصلاة والسلام، فكيف يتساهل بالصلاة من يدعي الإسلام.
فتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ ولي على المسلمين خيارهم وكفهم شر شرارهم، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، اللَّهُمَّ اجعل وليتنا فيمن خافك واتقاك وتبع رضاك، اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أصلح بطانته وجلساءه وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.