فوائد درس العقيدة الطحاوية من شرح العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان.
الإثنين، 29-02-1441هـ
الفائدة الأولى:
ورد في الحديث أن الماشي إلى الصلاة يقول: "أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا"، فأشكل هذا؛ إذ ما علاقة الداعي بحق السائلين، حق السائلين لهم، وليس للداعي شيء منه، وإنما هو لهم، للسائلين، فهذا الإشكال ينحل ويتبين بأن قوله: "بحق السائلين عليك" حق السائلين على الله ما هو؟ أن يجيبهم. حق السائلين على الله أن يجيبهم، وإجابة الدعاء صفة من صفات الله عز وجل، فهو يسأله ويتوسل إليه بصفة من صفاته سبحانه وتعالى وهي إجابة السائلين، فلا إشكال حينئذ.
الفائدة الثانية:
لو سأله بحق السائلين حقيقة لكان هذا من الاعتداء في الدعاء، ولكنه لم يسأله بحق السائلين حقيقة، وإنما سأله بشيء أوجبه الله على نفسه، قال جل وعلا: "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين". والله أوجب على نفسه ولا أحد يوجب على الله شيئا، وإنما هو الذي أوجبه على نفسه. "وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين". وكذلك حق السائلين الإجابة، والإجابة من صفات الله سبحانه وتعالى، فهو توسل إلى الله بصفة من صفاته وهي: إجابة السائلين.
الفائدة الثالثة:
التوسل إلى الله بحق المخلوق من الأدعية المبتدعة، وفي هذا الحديث: "أسألك بحق السائلين عليك"، لم يتوسل إلى الله بحق المخلوق، وإنما توسل بحق أوجبه الله على نفسه لهم، الله هو الذي أوجب على نفسه ذلك، فقال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقد عبدوه، وجعل للعابدين عليه حقا أن يجيبهم، "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء".
"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم". فهذا حق أو جبه الله على نفسه. ونحن لا نسأله بحق السائلين على الله، وإنما نسأل الله بصفة من صفات الله.
الفائدة الرابعة:
إذا قال السلف: "يكره" فمعناه: يحرم، فالكراهية في عرفهم تعني التحريم، وأما كراهة التنزيه فهذه إنما جاءت فيما بعد عند المتأخرين.
الفائدة الخامسة:
كره أبو حنيفة ومحمد بن الحسن قول الرجل: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك" لأن العرش مخلوق، ولا يسأل الله بحق أحد من خلقه.
الفائدة السادسة:
ما علاقتك بجاه فلان وفلان، أنت ادع الله بحاجتك ولا تعلقها بجاه فلان؛ لأن هذا شيء لم يرد في الدعاء.
الفائدة السابعة:
التوسل الذي يفعله الصحابة هو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، كما قال جل وعلا: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها".
الفائدة الثامنة:
كان الصحابة يتوسلون إلى الله في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، يطلبون من الرسول أن يدعو الله لهم، وهذا لا حرج فيه، تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ لك، تطلب من رجل صالح أن يدعوَ لك، تطلب من مسلم أن يدعو لك، لا بأس بذلك.
الفائدة التاسعة:
الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد عمر رضي الله عنه أن يعتمر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تنسنا يا أُخَيَّ من صالح دعائك".
الفائدة العاشرة:
كان الصحابة يتوسلون بدعاء الرسول لهم في حياته، يطلون منه أن يدعو لهم، فلما مات الرسول صلى الله عليه وسلم تعذر أن يدعو لهم، فعدلوا إلى أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عمه العباس رضي الله عنه، فكان يدعو لهم إذا استسقوا.
قال عمر رضي الله عنه: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإننا نتوسل إليك بعَمِّ نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع" فدل على أن قوله "نتوسل إليك بنبيك"، أو "بعم نبيك" أن المراد به الدعاء، أن يدعو لهم.
الفائدة الحادية عشرة:
ليس التوسل بجاهه، وإنما التوسل بدعائه، ولذلك الذين يقولون بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بدعة، فلا يجوز.
الفائدة الثانية عشرة:
قوله الداعي: "أسألك باتباعي لرسولك"، و"بمحبتي لرسولك".
هذا شيء طيب، لأن هذا عبادة.
الفائدة الثالثة عشرة:
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو بدعائه بعد موته هذا بدعة، ولا يصح ولا يجوز.
الفائدة الرابعة عشرة:
قوله تعالى: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما". هذا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، "جاؤوك" يعني في حياته، وأما أن يأتوه بعد موته فهذا ليس مجيئا إلى الرسول، هذا مجيء إلى القبر وهذا لا يجوز.
الفائدة الخامسة عشرة:
الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة إذا أراد أن يشفع للخلق-جميع الخلق- أن يريحهم الله من كرب الموقف، خمسين ألف سنة واقفون على أقدامهم، فيطلبون من يشفع لهم، فينتهي الطلب إلى محمد صلى الله عليه وسلم، كل نبي يعتذر ويقول: نفسي نفسي، لا أملك لكم من الله شيئا، إلى أن يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، أنا لها، فيتقدم بين يدي ربه ويسجد تحت العرش، ويدعو الله بأدعية لا يعلمها في الدنيا، وإنما يفتحها الله عليه في سجوده، فيقال له: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، فيقوم صلى الله عليه وسلم ويشفع في الخلق أن الله يريحهم من كرب الموقف، فَيُشَفِّعُهُ الله، وهذا هو المقام المحمود الذي قال الله جل وعلا: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا". هذا هو المقام المحمود؛ لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون.
الفائدة السادسة عشرة:
قوله تعالى: "قل إن الأمر كله لله" الأمر يعني الشأن والشيء، كله لله، مالك الملك، سبحانه وتعالى.
الفائدة السابعة عشرة:
قوله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" وذلك أنه لما وقعت معركة أحد وقتل فيها من المسلمين من قتل، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على عدد من المشركين، فقال: "اللهم ألعن فلانا وفلانا"، فعاتبه الله عز وجل، فقال: "ليس لك من الأمر شيء"، فدل هذا على أن أحدا ليس له شيء على الله جل وعلا، إلا ما أعطاه الله جل وعلا بمشيئته. فالله لا يسأل إلا بأسمائه وصفاته، "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون".
الفائدة الثامنة عشرة:
قوله تعالى: "ألا له الخلق والأمر": "ألا له" يعني نفسه جل وعلا، "الأمر" هو التشريع، الأمر والنهي والإيجاب، وغير ذلك، فالتشريع هو الأمر، وهذا لله عز وجل، له الخلق فهو الخالق وحده، وله الأمر وحده، فلا أحد يشرع للناس إلا الله جل وعلا، قال بعض السلف لما سمع هذه الآية-أظنه ابن عمر: "من كان له شيء فليطلبه"، ما بقي شيء، له الخلق والأمر، من له شيء فليطلبه، ما لأحد شيء.
الفائدة التاسعة عشرة:
لما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين). في مكة صعد الصَّفَّا، ونادى: واصباحاه، واصباحاه، فاجتمع الناس إليه، لِيَرَوْا ما عنده، فقال:
"اشْتَرُوا أنفسكم، اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا، ثم بدأ بأقرب الناس إليه: يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أملك لك من الله شيئا، يا عبَّاسُ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئا، سليني من مالي، فأقرب الناس إليه يقول: لا أملك لكم من الله شيئا، فكيف يملك للأبعدين؟!
الفائدة المتممة للعشرين:
الذين يعكفون على القبور ويطلبون الشفاعة من الموتى هذا كفر وشرك بالله عزوجل، يطلبون الشفاعة ويقولون هؤلاء رجال صالحون ونحن مقصرون ونريد منهم أن يشفعوا لنا، فلا يجوز طلب الشفاعة من المخلوق عند الله، أما المخلوق عند المخلوق فلا بأس، أما عند الله فلا يجوز طلب الشفاعة من المخلوق عند الله جل وعلا، وإنما يسأل الله، تقول: اللهم شَفِّع فيَّ رسولك، اللهم شَفِّع فيَّ عبادك الصالحين.