بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الله سبحانه وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور السنة، قد فرض الله صيامه على هذه الأمة كما فرض الصيام على الأمم السابقة؛ ولكن صيام الأمم السابقة يختلف عن صيام هذه الأمة، فالصوم فريضة على العباد، وإن اختلف وقته وكيفيته، وكله تشريع من الله سبحانه وتعالى في كل وقت بحسبه.
فهذا الشهر، شهر عظيم ذكر الله من أعظم مزايا:
أنه أنزل فيه القرآن، أبُتدئ إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، وهذا تشريف لهذا الشهر، أن الله خصه أبتدئ إنزال القرآن فيه.
وكذلك خصه: بأن فرض صيامه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
وكذلك خصه: بأن فيه ليلة واحدة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، وهي في هذا الشهر.
كذلك خصه: بقيام لياليه ويحصل قيام لياليه مع الإمام في المساجد ذلك بصلاة التراويح فهي سنة وشعيره من شعائر الإسلام، ولذلك تقام في المساجد، وأما بقية النوافل فتقام في البيوت وهذا أفضل أنها تقام في البيوت، أما صلاة الترويح وصلاة التهجد في آخر الشهر فإنها تكون في المساجد جماعةً خلف إمام واحد في كل مسجد إظهارا لعظمة هذه الليالي وهذا الشهر العظيم، إذا هذا الشهر كله طاعات نهاره صيام وليله قيام وما يتخلل ذلك من تلاوة القرآن، وذكر الله عز وجل.
ولهذا ورد في الحديث: أنه شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ، فاجتمعت فيه هذه الفضائل، الرحمة والمغفرة والعتق من النار وذلك بحسب من أحوال العباد، فمن كان منهم مستقيما على طاعة الله ومداوما على قيام الليل في طول السنة، ويكثر من الصيام في سائر السنة فهذا يزيده رمضان خيراً إلى خيرهُ الذي عنده، وهذا من المحسنين: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) فهو يزيد المحسنين إحساناً وخيرا، ومغفرة لمن كان عنده ذنوب لكنها دون الشرك، سيئات دون الشرك، فإذا حل هذا الشهر على هذا المسلم الذي عنده ذنوب واستغفر الله وتاب إلى الله غفر الله له ذلك، وآخره عتق من النار وذلك لمن استوجب دخول النار من أهل الكبائر التي دون الشرك وهي الموبقات المهلكات، فإذا تاب إلى الله وانتبه لنفسه في هذا الشهر اعتقه الله من النار فهو شهر تجتمع فيه هذه الفضائل التي لا تجتمع في غيره ويحصل فيه الانتباه، نعم عفوا الله ومغفرته وتوبته دائمة في كل سنة؛ لكن هذا الشهر يحرك العبد ويُقضه للتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله عز وجل والإكثار من الطاعات، فهو يمتاز على غيره من شهور، وذلك لأن هذا الشهر كما جاء في الحديث: تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران ويصفد الله فيه الشيطان إذا المسلم تتاح له الفرصة أكثر من غير هذا شهر أتيحت له الفرصة، فتحت له الجنة أغلقت عنه النار صفد عنه عدوه الذي كان يعتدي عليه طول السنة، سنحت له الفرصة في هذا الشهر خاصة.
فهو شهر عظيم في حياة المسلم ومنة من الله على هذه الأمة الذي يوفقه الله في إدراك هذا الشهر ويستكمله في طاعة الله، يحصل على هذه الفضائل العظيمة من الله سبحانه وتعالى، فهذا مما فضل فيه هذا الشهر على غيره من الشهور، وذلك لمن عرف قدره وتنبه له، أما الإنسان البهيمة السادر مع شهواته ومع غفلاته فلا تنفعه هذه المواسم، فمثلاً الثوب الذي عليه نجاسة إذا غسلته زالت طهر، كذلك النجاسة على البدن إذا غسلتها زالت؛ ولكن النجاسة العينية هذا لا يمكن غسلها لا زوالها ولو غسلت بالبحار مازالت وهذا مثل الشقي - والعياذ بالله - الذي لا ينتبه لنفسه، فهو مثل الكلب والخنزير لو تغسله بالبحار ما طهر، لأن نجاسته مداخلة له نجاسة عينية، نسأل الله العافية، طبع على قلبه فكان من الغافلين، فكان من أضل من الخلق حتى من البهائم: (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) لأن الأنعام ليس عليها تكليف ولا أمرات ولا نهيت عن شيء، وإنما تعيش لمصالح الناس.
وأما هذا فله سمع، وله بصر، وله عقل، وله تفكير، ولكنه لم ينتفع بهذه الحواس العظيمة فهذا أضل من البهيمة لأن البهيمة لا حساب عليها، وهذا عليه حساب ووعيد فهذا لا حيلة فيه، هذا لو جاء رمضان عليه ما تنبه ولا تطهر ولا تغير، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولكن هذا لا يكون في المسلمين والحمد لله.
المسلم مهما كان عنده من تقصير وعنده من غفلة؛ لكنه ينتبه ويتوب فيستغفر فيرجع إلى الله عز وجل فيتقبلهُ الله، وأما هذا فليس من المسلمين وحتى ليس من البهائم هذا أحط من البهائم (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
نسأل الله العافية والسلامة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***