بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لاشك أن تلاوة القرآن الكريم من أفضل الأعمال أو هي أفضل الأعمال لأن القرآن كلام الله عز وجل، وهو خير الكلام وهو أصدق الكلام، وفي تلاوته أجر عظيم لكل حرف من حروفه، ولاسيما تلاوة القرآن في هذا شهر.
فإنه ينبغي للمسلم أن يكثر من تلاوة القرآن في هذا الشهر كما كان السلف الصالح يكثرون من تلاوته في هذا الشهر إضافة إلى قرأتهم القرآن في صلاة الليل طول السنة وتلاوته في الفترات التي يتفرغون فيها.
فينبغي أن يكون القرآن مصاحباً للمسلم في كل وقت، ولكن تلاوة القرآن لها آداب ينبغي لمن يرد قراءة القرآن أن يتأدب بها وأن يتصف بها:
الأول: أن يتلو القرآن في وقت مناسب ليس فيه تشويش ولا صخب ولا أصوات: مثل قراءة القرآن في الليل: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) يتواطأ القلب واللسان على تلاوة القرآن واستحضار معانيه لصفاء الذهن في هذه الفترة وعدم المشوشات، فيختار المسلم الوقت المناسب لتلاوة القرآن.
الثاني: وكذلك يختار المكان المناسب وأفضل مكان لتلاوة القرآن: هو المسجد في بيت من بيوت الله: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ كما في الحديث إلى آخره.
الثالث: وأيضاً يجب على من يريد تلاوة القرآن أن يقيم حروفه وحدوده: حدود التلاوة بأن يتعلم النحو الذي هو ضبط للكلام عن اللحن إذا أمكن ذلك لأن النحو يجود له القرآن ويريحه من اللحن ويبعده عن اللحن فإن لم يتمكن من تعلم النحو فليقرأ القرآن على مُقرأ يجيد القراءة يتلقاه عنه ولا يكتفي بأن يقرأ القرآن بدون ضوابط؛ بل يحرص أن يقيم القرآن على الوجه المطلوب سليما من اللحن الذي قد يغير المعنى ويحيل المعنى كما جاء في الحديث أن: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ يعني: مع الملائكة، إذا حرص على تلاوة القرآن على الوجه المطلوب وأجاد التلاوة وهذا ميسور - ولله الحمد قال تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ، فيقرأ القرآن على حسب استطاعتهِ إذا لم يمكن أن يتعلم القرآن على الوجه الصحيح فلا يترك تلاوة القرآن، إنما يقرأه هو على حسبِ استطاعتهِ.
الرابع: كذلك يجب على تالي القرآن أن يتجنب السرعة والهذرمة والهذ: كما يتجنب التمطيط والمدود الزائدة، والتكلف في التجويد هذا يشق على القارئ وعلى المستمع، يتوسط الإنسان بين الهذ والهذرمة والسرعة وبين المبالغة في قواعد التجويد، يتوسط في ذلك ليسهل عليه القرآن ويسهل على من يستمع إليه خصوصاً الإمام الذي يؤم الناس تجنب التكلف في التجويد، ويتوسط في ذلك.
الخامس: وكذلك من آداب تلاوة القرآن تحسين الصوت بالقراءة: قال صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ يتغن يعني: يحسن صوته بالقرآن، وفي الحديث: أن الله يستمع لمن يتغن بالقرآن يعني: يحسن صوته به: مَا أَذِنَ الله لرجل ما هذا معناه، أذن يعني استماع، الإذن معناه الاستماع، فدل على أن الله يستمع لقارئ القرآن استماع إجابة واستماع محبة.
فالله يحب من عبده أن يحسن صوته بكلامه سبحانه وتعالى: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ أي: يزين صوته بالقرآن، ولا يجوز لقارئ القرآن أن يقصد بتحسين الصوت الرياء والسمعة، بل يحسن صوته امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته ولا يحسن صوته من أجل أن يستجلب الناس ليستمعوا إليه ويمدحوه وما أشبه ذلك هذا رياء وهذا يبطل العمل وهذا من السمعة - والعياذ بالله -، الرياء يكون في قلب والقصد، وسمعه تكون فيما يسمع، على الإنسان أن لا يقصد بتحسين صوته اجتلاب الناس إليه ومدحهم له؛ بل يقصد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أن القرآن أنزل عليه كان يحب أن يسمعه من غيره، وقد استمع إلى قراءة ابن المسعود رضي الله عنه أمره أن يقرأ الرسول يستمع إليه، فقال يا رسول الله: أقرأه عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ، وكان يستمع لقراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وكان حسن الصوت كان مشهورا بذلك، فكان يستمع إلى قراءته في الليل إذا مر يستمع لقراءةِ أبي موسى في تهجده.
فدل على أن تحسين الصوت وتجميل الصوت بالقرآن أمر مطلوب؛ لكن لا يصل إلى حد المبالغة ولا يصل إلى حد الرياء والسمعة.
السادس: كذلك من آداب تلاوة القرآن: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في بداية التلاوة قال الله جل وعلا: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وذلك بأن يقول: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ثم يبدأ القراءة، وأما ختم التلاوة بصدق الله العظيم فهذا شيء محدث لا أصل له، هو نعم صدق الله: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)،(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً) المعنى صحيح صدق الله؛ لكن تحديد هذا في وقت معين بدون دليل هذا لا يجوز التزام هذا في ختم التلاوة صدق الله العظيم لا أصل له؛ بل هو عمل ومحدث، فقد صارت هذه الجملة كأنها واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم التزموا بها في كل تلاوة في المجالس وفي الإذاعات وهذا لا أصل له؛ بل الذي ورد أنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في بداية التلاوة.
السابع: وكذلك من آداب تلاوة القرآن: أن الإنسان يتأثر بتلاوته، ويخشع من تلاوة القرآن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشع في صلاته إذا قرأ القرآن حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء عليه الصلاة والسلام.
الثامن: كذلك من آداب تلاوة القرآن أن يستعيذ بالله عند آيات العذاب ويسأل الله عند آيات الرحمة هذا في صلاة الليل وفي صلاة النافلة، أما في الفريضة فلم يرد هذا إنما هذا في صلاة النافلة، وفيه إذا كان الإنسان يقرأ القرآن من غير صلاة ومر بالآيات الوعيد يستعيذ، ومر بآيات الوعد يسأل الله عز وجل.
التاسع: ومن آداب تلاوة القرآن: أن لا يتقطع الإنسان بأن يجعل له نصيبا من التلاوة في كل يوم حتى يختم القرآن على الأقل في كل شهر مرة، فإن ختمه في كل عشر فهو أحسن، وإن ختمه في كل سبع ليالي فهو أحسن، ختمه في كل ثلاث فهو أحسن، على كل حال ما يهجر الإنسان تلاوة القرآن لاسيما إذا كان يحفظ القرآن فإنه إذا ترك التلاوة ينسى حفظه، قد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن فقال: تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فلَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا ، فحافظ القرآن يحافظ على ضبط حفظه لئلا يضيع عليه، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأًصحابه أجمعين.
***