بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن المقصود بتلاوة القرآن الانتفاع به، والعمل بما فيه، وتأمل ما فيه من الوعد والوعيد وذكر الجنة والنار، ليس المقصود من قراءة القرآن المرور على الحروف والآيات والسور من غير انتفاع، من غير تدبر، من غير تأثر هذه قراءة ما تنفع صاحبها.
فعلى المسلم أن يحضر قلبه عند تلاوة القرآن لاسيما عند الوعد والوعيد لأن القرآن يخاطبه ويذكره ويصف له الجنة كأنه يراها، ويصف له النار كأنه يراها.
وقد بين الله له طريق الجنة وطريق النار، أن طريق الجنة هو الأعمال الصالحة وأن طريق النار هو الكفر والأعمال السيئة ولا حول ولا قوة إلا بالله فالأمر واضح، ولذلك كان للسلف أحوال مع تلاوة القرآن والخشوع قال الله جل وعلا: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، فلا حول ولا قوة إلا بالله، القرآن يخاطبنا ونقرأه ولا نتأثر فيه، في حين أنه لو خطيب به الجبل الأصم لتصدع من خشية الله سبحانه وتعالى، إذا فالقلوب أشد قسوة من الجبال: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أشد قسوة من الحجرة، هذا القلب الذي خلقه الله فيك لحمة بضعة قطعة لحم هو أشد من الجبل وأصم من الجبل والعياذ بالله فلا حول ولا قوة إلا بالله، هذا الإنسان يفكر في نفسه وفي قلبه وينظر تأثره بالقرآن العظيم حينما يسمعه لأنه هو المقصود به، ما خاطب الله به الجبال إنما خاطبك أنت أيها الإنسان، فما هو تأثرك بهذا القرآن؟
الله وصف الجنة بأوصاف عظيمة تتشوق لها العقول، ووصف النار بأوصاف عظيمة تتقطع لها القلوب وتذوب لها الأكباد لو كان هناك عقول حاضرة: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، وهذه النار وهذه الجنة لم نرهما هما من أمور الآخرة؛ ولكن الله أرانا أشياء في هذه الدنيا تذكر بالجنة وأشياء تذكر بالنار، فالفواكه والملاذ والأرواح الطيبة والبهجة والسرور والمناظر الجميلة والأنهار والأشجار تذكر بالجنة والظل والبراد تذكر بالجنة، والحرارة والعياذ بالله والحر شدة الحر يذكر بالنار قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ يعني: صلاة الظهر، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، والله جعل للنار نفساً في الشتاء وهو البرد الشديد ونفساً في القيظ والصيف وهو الحر الشديد يذكران بالنار، وكذلك الآلام والأحزان والأمراض يذكر بالنار، وكذلك هذه النار التي بين أيدينا التي نوقدها ونطبخ عليها ونستدفي بها هذه تذكر بنار جهنم، أنت الآن ما تستطيع أن تقرب من هذه النار ولا أن تضع فيها أصبعك ولو لحظة وهي نار أخف من نار الآخرة أخف من جهنم ولا تستطيع القرب منها ولا أن تمس بدنك ولو بشيء يسير، فكيف تصبر على النار والعياذ بالله؟
(الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ) جثث الكفار، (وَالْحِجَارَةُ) حجارة الكبريت لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله جل وعلا في نار الدنيا : (أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) يعني: توقدون، (َأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) تذكر بنار جهنم (وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ) يستمتع بها الناس في الطبخ وفي الأستدفاء بها والاستنارة بها فهي متاع للموقين يعني: للمسافرين، فأنت إذا كانت في البر وأصابك البرد فإنك تلجأ إلى الأستدفاء بالنار توقد النار لتستدفي بها.
موسى عليه السلام وزوجه لما كانا في الطريق راجعين إلى مصر لما كانوا في الطريق أصابهم البرد وضلوا الطريق، وفي ظلم الليل رأى ناراً ففرح بها: (قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) يعني: أن يهدينا الطريق، (أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) جذوة يعني: قبس من النار (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) بها وتستدفئون بها من البرد، فالنار خصوصا في السفر من المتعة.
فهذه النار الدنيوية فيها تذكير، وفيها متاع تذكر بنار الآخرة، فالشواهد أمامنا موجودة يقول المنافقون لإخوانهم: (لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ) لأن غزوة تبوك جاءت في شدة الحر في الصيف قال الله جل وعلا:( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ).
فعلى كل حال الأدلة واضحة في يوم القيامة إذا حشر الناس أبرزت الجنة عياناً للناس، وأبرزت النار عياناً للناس أمامهم (وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى) لمن يرى ببصره تبرز النار أمامهم، (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً)، (وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى* فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، والذين يدخلون النار على قسمين:
القسم الأول: قسم يخلد فيها وهم الكفار والمشركون والملاحدة هؤلاء لا يخرجونه منها أبداً: (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ)، (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) خالدون.
القسم الثاني: وقسم يدخلونها ويعذبون فيها، ثم يخرجون منها، وهم عصاة المؤمنين أصحاب الكبائر التي دون الشرك هؤلاء تحت المشيئة، مشيئة الله إن شاء الله غفرها لهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذابهم بها في النار ويحترقون في النار حتى يكونون فحماً، ثم يخرجون منها وهم فحم محترقون فيوضعون في نهر يقال له: نهر الحياة فتنبت أجسامهم ويتكامل خلقهم، ثم يأمرهم الله فيدخلون الجنة برحمته سبحانه وتعالى.
فهذه النار كأنها والله بين أيدينا كأننا نراها؛ ولكن هل تركنا الأعمال التي تورد هذه النار؟
الغالب إننا لم نتركها والكثير لم يتركوها وهم يتعوذون من النار، ما يكفي التعوذ من النار ما يكفي لابد أن تتجنب الأعمال التي توريدك هذه النار مع الاستعاذة بالله منها، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يدخلنا وإياكم الجنة برحمته إنه قريب مجيب.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***