بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن هذا شهر المبارك الذي جعل الله خير لهذه الأمة فرض عليهم صيامهُ وجعله أحد أركان الإسلام، قد قارب على الانتهاء بالأمس قد بدأ واليوم قارب على الانتهاء وهكذا الدنيا كلها تمر على هذا الشكل؛ ولكن المؤمن تمر عليه هذه الأيام والليالي فيستفيد منها عملاً صالحاً وأما الغافل فإنها تمروا عليه ولا يستفيد منها؛ بل قد تكون خسارة عليه وهذا فضل الله يأتيه من يشاء، ولكن على المسلم إن كان محسنا في أيامه السابقة فليواصل عمله وليستمر عليه ما يكون بس في رمضان بل يستمر عليه، وأما المقصر فبإمكانه أن يتوب إلى الله ويتنبه يستدرك ما مضى بالتوبة والاستغفار، وإصلاح العمل في المستقبل ما دام المؤمن على قيد الحياة فإن الله أعطاه المهلة يتزود من الأعمال الصالحة ويتوب من الأعمال السيئة وسيأتي عليه يوم يغلق الباب وذلك حين نهاية أجلهِ فحينئذ يغلق الباب فلا يستطيع الزيادة من الحسنات ولا يستطيع التوبة من السيئات وهذا غيب الله خبره عنا: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)، والموت متوقع في كل لحظة وفي كل يوم، فالمسلم يكون على وهبة الاستعداد دائماً وأبدا.
والسف الصالح كانوا مجتهدين في سائر أيام السنة ورمضان لا يزيد من أعمالهم شيئا ما فيه مكان للزيادة قال بعض السلف: أدركت أقوماً لا يزيد دخول رمضان في اجتهادهم شيئاً ولا ينقص خروجه من اجتهادهم شيئا، فهم دائبون على الاجتهاد في الأعمال الصالحة بكل أيامهم وأعمارهم، والله جل وعلا قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمر لجميع الأمة قال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، (الْيَقِينُ) يعيني: الموت، قال بعض السلف عند هذه الآية: ليس لعمل المؤمن غاية دون الموت، فهو يعمل كل حياته ولا ينقطع عمله إلا بالموت هكذا، وأما الغافل فلا فائدة له من حياته بل تكون حياته عليه وبالا قال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) فالإمهال والإملاء لهم إنما هو ضرر عليهم لأنهم يزدادون من الإثم كلما تأخر أجلهم زاد إثمهم لا حول ولا قوة إلا بالله.
فالعمر لا يفرح، طول العمر لا يفرح به للعيش في هذه الدنيا وإنما يفرح به للعمل الصالح، والمؤمن يحب طول العمر ليعمل صالحاً، لا ليلهوا ويلعب فهذه مسائلة يجب التنبه لها، أن الإنسان لا يضيع عمره يكون خسارة عليه يوم القيام قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم* وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) فمن لم يعمل بهذه المسائل الأربع فهو خاسر:
المسألة الأولى: الإيمان بالله.
المسألة الثانية: والعمل صالح.
المسألة الثالثة: والتواصي بالحق.
المسألة الرابعة: والتواصي بالصبر، وبدون ذلك فهو خاسر لو عاش مئات السنين فهو خاسر: (لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني: استدركوا أعمارهم بهذه الأعمال الصالحة (آمَنُوا) بالله، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في أنفسهم، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) أوصوا غيرهم بمثل ما هم عليهم من العمل الصالح لأنهم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم قد قال صلى الله عليه وسلم: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ المؤمن لا يقتصر على نفسه؛ بل يحب الخير لغيره أيضاً من أخوانه ويوصيهم بالعمل الصالح (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)، (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) لأن العمل يحتاج إلى صبر، لأن العمل متعب يحتاج إلى صبر، وتحمل وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى صبر لأنه يأتي منه أذى للإنسان من العصاة ومن يؤذونه ويهددونه لكن يصبر: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
هذه الصفات الأربع من رُزقها فهو الرابح ومن فقدها أو فقد شيئا منها فهو الخاسر، ولا تسأل عن ماله ولا تسأل عن أعماله الدنيوية كلها لا فائدة له منها؛ بل فيها حمل عليه يوم القيامة يُحاسب عليها، نسأل الله العافية، هذا ونسأل الله جل وعلا لنا ولكم لإخواننا المسلمين صالح القول والعمل، نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ الإسلام والمسلمين وأن يحفظ بلاد المسلمين وأن يهلك الكفرة والمنافقين والمرتدين أن يشتت شملهم، وأن يخذلهم، وأن يبطل كيدهم، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يكفي المسلمين شرهم وخطرهم وجورهم وظلمهم فإنهم جاروا وظلموا وتعدوا والله جل وعلا ليس بغافل(عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)، إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَفلته ، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)، فالله جل وعلا ليس بغافل: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)، فالله جل وعلا يملي لهم ويحصي عليهم أعمالهم، وفي النهاية تكون العاقبة للمتقين، وتكون الخسارة على الكافرين، نسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يخذل أعداءه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***