متن الدرس
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يَحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) [البقرة: 165] وقال تعالى: (الحمدُ لِلّهِ الذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1]. أي يجعلون له عَدْلا في العبادة والمحبة والتعظيم.
وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبين آلهتهم، وعرفوا، وهم في النار، أنها كانت ضلالا وباطلا، فيقولون لآلهتهم وهم في النار معهم: (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء: 97-98].
ومعلوم أنهم ما سووهم به في الذات والصفات والأفعال، ولا قالوا: إن آلهتهم خلقت السماوات والأرض، وأنها تحيى وتميت، وإنما سووها به في محبتهم لها، وتعظيمهم لها، وعبادتهم إياها، كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام. ومن العجب أنهم ينسبون أهل التوحيد إلى التنقص بالمشايخ والأنبياء والصالحين، وما ذنبهم إلا أن قالوا: إنهم عبيد لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأنهم لا يشفعون لعابديهم أبدا، بل قد حرم الله شفاعتهم لهم، ولا يشفعون لأهل التوحيد إلا بعد إذن الله لهم في الشفاعة، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله، والشفاعة كلها له سبحانه، والولاية له، فليس لخلقه من دونه ولى ولا شفيع.
فالشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى، ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين:(أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 86-87 ].
وإن كان المعنى: ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به، وقد عبدتم معه غيره، وجعلتم له ندا؟ فأنت تجد تحت هذا التهديد: ما ظننتم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره؟ فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه: من وزير، أو ظهير، أو عون. وهذا أعظم التنقيص لمن هو غنى عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أو لا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي عبده وحده، أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة، كما يشفع المخلوق عند المخلوق، فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به، وتكثره به من القلة، وتعززه به من الذلة، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه، كما هو حال ملوك الدنيا، وهذا أصل شرك الخلق. أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم، حتى يرفع الوسائط إليه ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقا، فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه بذلك المخلوق، كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته، وكل هذا تنقص للربوبية، وهضم لحقها، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، من قلب المشرك، بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء، بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه- لكفي في شناعته.
فالشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه، والتنقص لازم له ضرورة، شاء المشرك أم أبى، ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره، وأن يخلد صاحبه في العذاب الأليم، ويجعله أشقى البرية. فلا تجد مشركا قط إلا وهو متنقص لله سبحانه، وإن زعم أنه يعظمه بذلك. كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو متنقص للرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة. فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب، أو يزعم أنها هي السنة، وإن كان مستبصرا في بدعته فهو مشاق لله ورسوله.
فالمتنقصون المنقوصون عند الله تعالى ورسوله وأوليائه: هم أهل الشرك والبدعة ولاسيما من بَنَى دينه على أن كلام الله ورسوله أدلة لفظية لا تفيد اليقين، ولا تغنى من اليقين والعلم شيئا.
فيالله للمسلمين، أي شيء فات من هذا التنقص؟