بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَام عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمْد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاتَبَعَ سُنَتَهُ إِلَى يَومِ الدِّيِن:
في البدئي نُرحبُ بمعالي الشيخ الدكتور/ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء ونشكرهُ على تقبلهِ في تلبية دعوة الجامعة لإحياء هذه المحاضرة المباركة عن توعية للشباب نحو الأفكار الهدامة ولا شك أن هذه المحاضرة تكتسب أهميةً خاصة أولًا بنوعيةِ موضوعها خاصًا في ظل الأوضاع التي نعيشها الآن وما يتخالف شبابنا من الأفكار المنحرفة سواءً من ناحية الإكراهِ أو التفريق، ولا شك أن خيرُ من يلقي الضوء على توعية الشباب والشابات بهذا الموضوع هو شيخنا العلامة / صالح بن فوزان الفوزان فهذه المحاضرة منقولة على ثلاث مستويات مستوى الحضور الذي يكتض به هذا الجامع لطلاب الجامعة ومنقولٌ مباشرة بمدينة الملك عبدالله للطالبات ومنقولٌ أيضًا عبر الويب فاي والانترنت لطلاب المعاهد العلمية في جميع أرجاء المملكة، أكرر الشكر لمعالي شيخنا الفاضل كما أشكر زملائي الذين رتبوا لهذه المحاضرة وعلى رأسهم أخي وزميلي الدكتور إبراهيم الميمن وكيل جامعة المعاهد العلمية ورئيس وحدة التوعية والإخوة في الشؤون الفنية وجميع العاملين الذين عملوا على التحقيق لهذه المحاضرة سواءً هنا أو في مدينة الملك عبدالله ..أدعوا شيخنا الفاضل لإلقاء محاضرته :
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَى الله وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمْد وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعهُم بإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدَّيِن أما بعد:
فإن هذه الجامعة المُباركة قامت على أساس أنها حامية العقيدة بمقرراتها ومناهجها ومدرسيها فَهي قلعة حصينة بإذن الله، والحاجة إليها في هذا الوقت ماسة جدًا ومن توفيق الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن غُرست هذه الجامعة على أساس الدعوة المباركة التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رَحِمَهُ الله- على مذهب السلف الصالح لصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة المعتبرين؛ فهي في الحقيقة قلعةٌ حصينة أسسها الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – رَحِمَهُ الله- فهو الذي فتح النواة الأولى لها لمعهد الإمام ورعاها وقام عليها وتابعها سامحة الشيخ محمد ابن إبراهيم - رَحِمَهُ الله – وعمل فيها إلى من بعدهُ من المسؤولين الذين يقومون على رعايتها وحراستها وخدمتها فبارك الله في الجميع؛ فهذا من التعاون على البر والتقوى وهذه الجامعة هي ولفة الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رَحِمَهُ الله- فهي تسير على منهج هذه الدعوة المباركة التي هي على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة الأربعة والذين بعدهم، هذه تامة من توفيق الله تعالى أنها أمدنا الله – جَلَّ وَعَلَا- بولاة الأمور من آل سعود وفقهم الله وبارك فيهم .
فهي قامت مؤيدتًا بتأيد الله – جَلَّ وَعَلَا- ثم بتأيد حُكام هذه البلاد الذين تعاقبوا على رعايتها وحمايتها وتمكينها ولله الحمد، فهي في بمدرسيها وبطلابها هي الحصن الحصين بإذن الله لحماية هذه الدعوة وهذه العقيدة المُباركة ونشرها وبيانها للناس، بيانها لمن لا يعرفها بل نبين لهُ على أنها دعوةٌ مباركة نفع الله بها قائمة على الكتاب والسُنة ومنهج السلف الصالح، ليست مبنية على كلافت مؤسسها محمد بن عبد الوهاب؛ وإنما هي مبنية على الكتاب والسنة حتى الإمام - رَحِمَهُ الله- في كتبه إنما يبني كتبهُ على الكتاب والسنة، انظروا إلى كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد هل تجدون لهُ كلامًا خاصًا ؟ أو أن ما فيه هو قال الله : قال رسوله: بابُ كذا وكذا قال الله كذا، قال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا، لا ولم يأتي بكلامٍ من عندهِ أو بعقيدةٍ ابتكرها؛ وإنما جاء بعقيدة السلف الصالح التي هي ثمرة دعوة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فهذه الجامعة ولا ننقص الجامعات الأخرى حقها؛ لكن هذه الجامعة تخصصها في هذا، وكل جامعة لها تخصص وكل جامعة تنفع في قسم تخصصها تنفع المجتمع في تخصصها؛ لكن هذه الجامعة تخصصها خاص ، خاصٌ في صيانة العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة وأنتم والحمد لله، أنتم ورثة من سبقكم؛ لتقوموا من بعدهم على حماية هذه العقيدة، ما هي عقيدة الشيخ محمـد بن عبد الوهاب، بل عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
ولا يمكن أن تدافع عن هذه العقيدة إلا من تعلمها وفَهِمَهَا، وأنتم والحمد لله قائمون على هذه المهمة تعلمًا وتعليمًا ودعوةً إلى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
فإذا كان هناك تخصصات في الأمور الأخرى التي يحتاجها المسلمون تخصصات في الطب، وتخصصات في الجندية، وتخصصات في الزراعة وتخصصات .. هذه التخصصات مساعدة في تخصص الدعوة الإسلامية، فأنتم اخترتم المكان اللائق بكم، أن تدرسوا هذه العقيدة في هذه الجامعة المباركة ثم تقومون بنشرها وبيانها للناس والدعوة إليها.
وأيضًا تقومون بإبطال الشبهات المثارة حولها؛ لأن أعداءها كثيرون ويُلقون في شبهات خصوصًا في هذا الوقت، فأنتم والحمد لله أبناؤها تُدافعون عنها، وتُبينونها للناس أنها دعوةٌ قامت على الكتاب والسنة لا من مذهب إمام خاص أو رجل خاص وإنما هي قائمة على الكتاب والسنة.
أقرؤوا مثلًا: كتاب التوحيد هل تجدون للشيخ أن له كلامًا خاصًا؟ أو تجدونه كله كلام الله ورسوله وكلام السلف الصالح؟ فهذا هو ما يُطلب منكم الآن وأنتم أبناء هذه الدعوة وأنتم تلاميذ هؤلاء الأئمة من الصحابة، والتابعين، ومن جاء بعدهم من الأئمة الأربعة، والدعاة إلى الله، والمجددين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وكذلك إخوانهم من الأئمة من سائر البلاد.
هذه الدعوة والحمد لله نفع الله بها هذه البلاد، كانت هذه البلاد قبل هذه الدعوة المباركة، كانت متفرقة، كل بلد له حاكم، وإمارة، ولا يُسلم حاكم للحاكم الآخر.
فالدرعية كان فيها أمير، العيينة كان فيها أمير، الرياض كان لها أمير، وكلها مدن مستقلة، كلٌّ مستقل بإمارته، فلما جاءت هذه الدعوة المباركة جمع الله عليها بلاد نجد كلها، صارت تحت إمام واحد، وقيادةٍ واحدة.
ثم تمددت إلى الخارج، تمددت إلى الحرمين الشريفين، والقيام بخدمة الحرمين الشريفين، وتهيئتهما للحجاج، والمعتمرين، والزوار، والمعتكفين، وتحملت هذه الدعوة بعلمائها وأمرائها تحملت عبأً ثقيلًا لكن الله أعانها على ذلك ومكن لها، نسأل الله أن يُديمها حصنًا للإسلام والمسلمين، وحامية لهذه الدعوة بحماية الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- .
انتشرت هذه الدعوة في مصر، وانتشرت في بلاد الهند، وانتشرت في بلاد كثيرة والحمد لله، لم تنتشر لطمعٍ دنيوي، أو لسلطةٍ حاكمة؛ وإنما انتشرت لوضوحها، وبيانها، وصفائها، وخلوصها من الأطماع (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) يقول الله لرسُوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) هذا المذهب الذي سار عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- وهو المذهب الذي سار عليه أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي - رَضِيَّ اللهُ عَنْهُمْ- وسار عليه من جاء بعدهم من الأئمة والولاة، حتى وصلت إليكم.
أنتم الآن المسؤولون عنها تتعلمون هذه الدعوة ومنهجها، وتحمونها مما يُعكر صفوها، وتنفون عنها شبهات الجاهليين، دعوةٌ وسط بين الجفاء وبين الغلو، هذه الدعوة مباركة، ليست تنتحي منحى التشدد والغلو، كما عليه الخوارج، ومن يسير في ركابهم إلى وقتنا هذا، كل قوم لهم ورثة، لا تحسبوا أن الخوارج انتهوا وأن الأمور يعني ما ذُكر في العقيدة من الفرق أنهم انتهواوانقطعوا لا هم موجودون في كل زمان.
فهذه الدعوة جعل الله فيها الخير وبينت العقيدة الوسط بين الجفاء والإعراض، وبين الغلو والتشدد، عقيدةٌ وسط والحمد لله، ولهذا بقيت واستمرت، لو كان فيها غلو لم تبقى أو كان فيها جفاء لم تبقى؛ وإنما بقيت لأنها عقيدة وسطا، بين الغلو والجفاء ودين الله كمال، حكمة بين الغالي والجافي، ولا يستمر إلا الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فالبقاء للوسط وأما الأفراد فإنها عُرضة للزوال عُرضة للزوال.
التطرف لا يستمر، اللي يسمى الآن التطرف، وهو إما أن تطرف في الجفاء والغلو، وإما تطرف في التسامح والانفلات، هذا لا يبقى ولا يستمر إنما يبقى الوسط دائمًا وأبدا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ومعلوم أن من شروط الشهادة: العدالة، فهذه الأمة فيها العدالة، فيها العدالة التي هي من شروط صحة الشهادة، فيها العدالة والتوسط بين الطرفين الغالي والجافي.
فمُهِمَّتكم أن تحموا هذهِ الدعوة وأن تتعلموها أولًا، ثم أن تحموها من شُبهات المُضللين ومن كيد الجاهلين، ومن غلوِّ الغالين أيضًا؛ لأنهُ كما تعلمون قد يتسمَّى بهذهِ الدعوة من ليس من أهلها ويكونُ هذا جنايةً عليها، أنتم تعلمون من يتسمُّون الآن بأنهم على دعوة الشيخ، وهم ليسوا على دعوة الشيخ،
الشيخ منهم بريء ودعوتهُ بريئة منهم؛ لأنهم يخالفونها، إذا عرضت مذهبهم على دعوة الشيخ وجدتَ الفرق واضح بينَها وبين ما يُلصقُ بها، فهذهِ الدعوة ما قامت على طمعٍ سياسي ولا على طمعٍ مادِّي، وإنَّما قامت على التوحيد الخالص للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- من كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم-ضَمِنَ اللهُ لها البقاء؛ لأنَّها وسط بين الغالي والجافي ولأنها حق والحق يبقى، والله - جَلَّ وَعَلَا- يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) فالحق يبقى والباطل يزهق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) لا يبقى إلا الحق أبدًا، وهو ما كان على كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- هذا هو الذي يبقى ويستمر وينفع (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) .
يُذكر عن إبراهيم باشا القائد المصري الذي غزا هذه البلاد استولى على الدرعية وقام بنقل العلماء ونقلِ أيضًا كبار السن إلى مصر، نقلهم من بيوتهم في الدرعية وفي الرياض نقلهم إلى مصر، بأمرٍ من الدولة، يزعمون أن هذا فيهِ إنهاءٌ لهذه الدعوة، واقتلاعٌ لجذورها يزعمون هذا، ولكن لمَّا سُئل إبراهيم باشا هل هذهِ الدعوة انتهت؟ قال: لا،هذهِ الدعوة جذورها في الأرض ولا بُدَّ أن تعود.
وكما ترون والحمدُ لله يجري عليها مِحَن، لكن تبقى رغمَ المِحَن ورغمَ الشدائد تبقى؛ لأنها دعوةُ حقّ، ودعوةُ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- بل هي دعوة الرُّسُل من أوَّلِهِم إلى آخِرهم -عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- فهي تبقى وإن جرى عليها ما جرى أو يجري إلا أنها تبقى؛ لأنَّها مُرتكِزة على الكتابِ والسُّنَّة، وكلُّ شيءٍ يرتكز على الكتاب والسُنَّة فإنَّهُ يبقى بإذن الله، وأما الشُبُهات وأما المذاهب الشخصية كلها تزول، تصول ثم تزول، وتظهر هذه الدعوة بين الحين والآخر، ما ضرَّها ما جرى عليها ويجري، ما ضرَّها الشُبُهات التي تُلصق بها، ما ضرَّها من ينتسبُ إليها وهو ليس من أهلها يتبيَّن وينكشف والحمد لله، اللي ينتسبون لها وهم على غيرِ طريقِها ينكشفون ولله الحمد، لا يضرُّونها شيئًا وإنَّما يضُرُّون أنفسهم .
وهذهِ الدعوة لمَّا كانت أصيلة وقائمة على كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ ثبتت وبقيت، وكانت هي الظل البارد لهذهِ البلاد والحمد لله، بينما الشعوب الأخرى تُتَخطَّف من حولنا، الله - جَلَّ وَعَلَا- حمى هذهِ الدعوة، وممَّا وفق الله لهُ هذه الدعوة أن وفق ولاة الأمور فخدموا الحرمين الشريفين، وقاموا بخدمة الحجيج، والمُعتمرين، والزوّار، وقاموا على خدمة الحرمين الشريفين ومن يقدَم إليهما حاجًّا أو مُعتمرًا أو زائرًا، فهذا بفضل الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهبهُ للقائمين على هذهِ الدعوة المباركة.
ونسألُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يُديم هذهِ النعمة وأن ينصُرَ هذهِ الدعوة وهي منصورة بإذن الله ولكن أن ينصرها على أيدينا وأيديكم، وإلا فهي منصورة، لو تخلينا عنها قيَّضَ اللهُ لها من يقومُ بها (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) فدينُ الله محروس ومحميّ بلا شك مهما تكالب الأعداء (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
فالحق واضح حتى الأعداء يعرفون أنهُ حق (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) كلٌ يعرفُ الحق لكن هناك من يُوفَّق لِقبولهِ والسيرِ عليه، وهناك من يُعرضُ عنهُ وهذا إنَّما يضرُّ نفسه ولا يضُرُّ الحق.
الحق باقي والدين منصور بنا أو بغيرنا، فالخوف علينا نحنُ إن أخللنا بالتمسُّك بهذا الحق، ويستبدلُ اللهُ بنا غيرنا، الله غنيٌّ عنّا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وإنَّما نحنُ الفُقراء إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولا عِزَّ لنا ولا بقاءَ لنا إلا بالله -سُبْحَانَهُ- ثم بهذهِ الدعوة المُباركة، لا أقول دعوة الشيخ فقط دعوة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- ؛لأن الشيخ إنَّما سار على ما ثبتَ عنِ اللهِ ورسولهِ في القُرآن والسُّنَّة، وكل من تمسَّك بهذا نصرهُ اللهُ وأعزَّه، وكُل من حادَ عنهُ أهلكهُ اللهُ وأنهى أثره، لا يبقى إلا الحق ولا يبقى إلا الصحيح، لكن الحق قد يُبتلى ويُمتَحَن ثم يظهر بعدَ ذلك، قال ابنُ القيِّم -رحمهُ الله- :
والدينُ منصورٌ ومُمتَحَنٌ فلا *** تعجب فهذه سُنَّةُ الرحمنِ
وفي الختام أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزَّ وجل- والتعلُّم الصحيح لهذهِ الدعوة وهذا موجودٌ بأيديكم في مُقرَّراتكم التي بأيديكم، فاقرؤوها وتمعَّنوا فيها ويظهرُ لكم ما فيها من الحق، ومن النور، ومنَ البركة؛ لأنَّها مُقرَّراتٌ اختارها لكم أئِمةُ الدعوة عن خِبرة ومعرفة بها.
فعليكم بالعناية بمُقرَّراتكم، تفَهَّموها، وتعقَّلوها، ثم قوموا بها،؛ لأن ما هو الإنسان يعني يكفي إنهُ يتعلَّم في نفسهِ ويعرف الحق في نفسهِ ويكفي، لا، لابد أن يقوم بالدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية عندَ هذهِ الآية : (بالصبرِ واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين).
الصبر على إيش؟ على الابتلاء، والامتحان، والشدائد، لابد من الصبر فيصبر؛ لأنهُ على حق مهما أصابه يعلم أنهُ على حق، وأن الشِّدَّة تزول، واعلم أنَّ النصرَ معَ الصبر وأنَّ الفرجَ معَ الكرب وأن مع العُسرِ يُسرًا.
الابتلاء والامتحان جرى على من قبلنا وأوذوا في سبيلِ الله وقاتلوا وقُتلوا، لكن الحق مُستمرٌ إلى يوم القيامة، ما دام القُرآن بينَ أيدينا وسُنَّة الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- بين أيدينا فالحق باقي، إلى أن يُرفع هذا القُرآن في آخر الزمان، حينئذٍ يبقى الناس في جهل وضلال وليس بأيديهم شيء يهتدونَ بهِ .
إذا أراد الله إنهاء هذا العالم رفعَ الكتاب والسُّنَّة، وقبضَ العُلماء، ولم يبقَ إلا رؤوسٌ الجُهَّال يُسألون فيُفتونَ بغيرِ علم فيَضِلُّون ويُضِلُّون، هذا إذا أراد الله إنهاء هذا العالم، والله على كل شيء قدير وهو بكل شيءٍ عليم، كل شيء لهُ نهاية في هذهِ الدنيا لكن الشأن النهاية ما هي؟ الشأن ما هي النهاية؟
هلِ هي نهايةٌ حسنة أو نهايةٌ سيئة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والنصر والتوفيق ونسألُ الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِينَا مُحَّمَد وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.
_______________________________________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَام عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمْد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاتَبَعَ سُنَتَهُ إِلَى يَومِ الدِّيِن:
في البدئي نُرحبُ بمعالي الشيخ الدكتور/ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء ونشكرهُ على تقبلهِ في تلبية دعوة الجامعة لإحياء هذه المحاضرة المباركة عن توعية للشباب نحو الأفكار الهدامة ولا شك أن هذه المحاضرة تكتسب أهميةً خاصة أولًا بنوعيةِ موضوعها خاصًا في ظل الأوضاع التي نعيشها الآن وما يتخالف شبابنا من الأفكار المنحرفة سواءً من ناحية الإكراهِ أو التفريق، ولا شك أن خيرُ من يلقي الضوء على توعية الشباب والشابات بهذا الموضوع هو شيخنا العلامة / صالح بن فوزان الفوزان فهذه المحاضرة منقولة على ثلاث مستويات مستوى الحضور الذي يكتض به هذا الجامع لطلاب الجامعة ومنقولٌ مباشرة بمدينة الملك عبدالله للطالبات ومنقولٌ أيضًا عبر الويب فاي والانترنت لطلاب المعاهد العلمية في جميع أرجاء المملكة، أكرر الشكر لمعالي شيخنا الفاضل كما أشكر زملائي الذين رتبوا لهذه المحاضرة وعلى رأسهم أخي وزميلي الدكتور إبراهيم الميمن وكيل جامعة المعاهد العلمية ورئيس وحدة التوعية والإخوة في الشؤون الفنية وجميع العاملين الذين عملوا على التحقيق لهذه المحاضرة سواءً هنا أو في مدينة الملك عبدالله ..أدعوا شيخنا الفاضل لإلقاء محاضرته :
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَى الله وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمْد وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعهُم بإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدَّيِن أما بعد:
فإن هذه الجامعة المُباركة قامت على أساس أنها حامية العقيدة بمقرراتها ومناهجها ومدرسيها فَهي قلعة حصينة بإذن الله، والحاجة إليها في هذا الوقت ماسة جدًا ومن توفيق الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن غُرست هذه الجامعة على أساس الدعوة المباركة التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رَحِمَهُ الله- على مذهب السلف الصالح لصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة المعتبرين؛ فهي في الحقيقة قلعةٌ حصينة أسسها الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – رَحِمَهُ الله- فهو الذي فتح النواة الأولى لها لمعهد الإمام ورعاها وقام عليها وتابعها سامحة الشيخ محمد ابن إبراهيم - رَحِمَهُ الله – وعمل فيها إلى من بعدهُ من المسؤولين الذين يقومون على رعايتها وحراستها وخدمتها فبارك الله في الجميع؛ فهذا من التعاون على البر والتقوى وهذه الجامعة هي ولفة الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رَحِمَهُ الله- فهي تسير على منهج هذه الدعوة المباركة التي هي على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة الأربعة والذين بعدهم، هذه تامة من توفيق الله تعالى أنها أمدنا الله – جَلَّ وَعَلَا- بولاة الأمور من آل سعود وفقهم الله وبارك فيهم .
فهي قامت مؤيدتًا بتأيد الله – جَلَّ وَعَلَا- ثم بتأيد حُكام هذه البلاد الذين تعاقبوا على رعايتها وحمايتها وتمكينها ولله الحمد، فهي في بمدرسيها وبطلابها هي الحصن الحصين بإذن الله لحماية هذه الدعوة وهذه العقيدة المُباركة ونشرها وبيانها للناس، بيانها لمن لا يعرفها بل نبين لهُ على أنها دعوةٌ مباركة نفع الله بها قائمة على الكتاب والسُنة ومنهج السلف الصالح، ليست مبنية على كلافت مؤسسها محمد بن عبد الوهاب؛ وإنما هي مبنية على الكتاب والسنة حتى الإمام - رَحِمَهُ الله- في كتبه إنما يبني كتبهُ على الكتاب والسنة، انظروا إلى كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد هل تجدون لهُ كلامًا خاصًا ؟ أو أن ما فيه هو قال الله : قال رسوله: بابُ كذا وكذا قال الله كذا، قال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا، لا ولم يأتي بكلامٍ من عندهِ أو بعقيدةٍ ابتكرها؛ وإنما جاء بعقيدة السلف الصالح التي هي ثمرة دعوة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فهذه الجامعة ولا ننقص الجامعات الأخرى حقها؛ لكن هذه الجامعة تخصصها في هذا، وكل جامعة لها تخصص وكل جامعة تنفع في قسم تخصصها تنفع المجتمع في تخصصها؛ لكن هذه الجامعة تخصصها خاص ، خاصٌ في صيانة العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة وأنتم والحمد لله، أنتم ورثة من سبقكم؛ لتقوموا من بعدهم على حماية هذه العقيدة، ما هي عقيدة الشيخ محمـد بن عبد الوهاب، بل عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
ولا يمكن أن تدافع عن هذه العقيدة إلا من تعلمها وفَهِمَهَا، وأنتم والحمد لله قائمون على هذه المهمة تعلمًا وتعليمًا ودعوةً إلى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
فإذا كان هناك تخصصات في الأمور الأخرى التي يحتاجها المسلمون تخصصات في الطب، وتخصصات في الجندية، وتخصصات في الزراعة وتخصصات .. هذه التخصصات مساعدة في تخصص الدعوة الإسلامية، فأنتم اخترتم المكان اللائق بكم، أن تدرسوا هذه العقيدة في هذه الجامعة المباركة ثم تقومون بنشرها وبيانها للناس والدعوة إليها.
وأيضًا تقومون بإبطال الشبهات المثارة حولها؛ لأن أعداءها كثيرون ويُلقون في شبهات خصوصًا في هذا الوقت، فأنتم والحمد لله أبناؤها تُدافعون عنها، وتُبينونها للناس أنها دعوةٌ قامت على الكتاب والسنة لا من مذهب إمام خاص أو رجل خاص وإنما هي قائمة على الكتاب والسنة.
أقرؤوا مثلًا: كتاب التوحيد هل تجدون للشيخ أن له كلامًا خاصًا؟ أو تجدونه كله كلام الله ورسوله وكلام السلف الصالح؟ فهذا هو ما يُطلب منكم الآن وأنتم أبناء هذه الدعوة وأنتم تلاميذ هؤلاء الأئمة من الصحابة، والتابعين، ومن جاء بعدهم من الأئمة الأربعة، والدعاة إلى الله، والمجددين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وكذلك إخوانهم من الأئمة من سائر البلاد.
هذه الدعوة والحمد لله نفع الله بها هذه البلاد، كانت هذه البلاد قبل هذه الدعوة المباركة، كانت متفرقة، كل بلد له حاكم، وإمارة، ولا يُسلم حاكم للحاكم الآخر.
فالدرعية كان فيها أمير، العيينة كان فيها أمير، الرياض كان لها أمير، وكلها مدن مستقلة، كلٌّ مستقل بإمارته، فلما جاءت هذه الدعوة المباركة جمع الله عليها بلاد نجد كلها، صارت تحت إمام واحد، وقيادةٍ واحدة.
ثم تمددت إلى الخارج، تمددت إلى الحرمين الشريفين، والقيام بخدمة الحرمين الشريفين، وتهيئتهما للحجاج، والمعتمرين، والزوار، والمعتكفين، وتحملت هذه الدعوة بعلمائها وأمرائها تحملت عبأً ثقيلًا لكن الله أعانها على ذلك ومكن لها، نسأل الله أن يُديمها حصنًا للإسلام والمسلمين، وحامية لهذه الدعوة بحماية الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- .
انتشرت هذه الدعوة في مصر، وانتشرت في بلاد الهند، وانتشرت في بلاد كثيرة والحمد لله، لم تنتشر لطمعٍ دنيوي، أو لسلطةٍ حاكمة؛ وإنما انتشرت لوضوحها، وبيانها، وصفائها، وخلوصها من الأطماع (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) يقول الله لرسُوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) هذا المذهب الذي سار عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- وهو المذهب الذي سار عليه أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي - رَضِيَّ اللهُ عَنْهُمْ- وسار عليه من جاء بعدهم من الأئمة والولاة، حتى وصلت إليكم.
أنتم الآن المسؤولون عنها تتعلمون هذه الدعوة ومنهجها، وتحمونها مما يُعكر صفوها، وتنفون عنها شبهات الجاهليين، دعوةٌ وسط بين الجفاء وبين الغلو، هذه الدعوة مباركة، ليست تنتحي منحى التشدد والغلو، كما عليه الخوارج، ومن يسير في ركابهم إلى وقتنا هذا، كل قوم لهم ورثة، لا تحسبوا أن الخوارج انتهوا وأن الأمور يعني ما ذُكر في العقيدة من الفرق أنهم انتهواوانقطعوا لا هم موجودون في كل زمان.
فهذه الدعوة جعل الله فيها الخير وبينت العقيدة الوسط بين الجفاء والإعراض، وبين الغلو والتشدد، عقيدةٌ وسط والحمد لله، ولهذا بقيت واستمرت، لو كان فيها غلو لم تبقى أو كان فيها جفاء لم تبقى؛ وإنما بقيت لأنها عقيدة وسطا، بين الغلو والجفاء ودين الله كمال، حكمة بين الغالي والجافي، ولا يستمر إلا الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فالبقاء للوسط وأما الأفراد فإنها عُرضة للزوال عُرضة للزوال.
التطرف لا يستمر، اللي يسمى الآن التطرف، وهو إما أن تطرف في الجفاء والغلو، وإما تطرف في التسامح والانفلات، هذا لا يبقى ولا يستمر إنما يبقى الوسط دائمًا وأبدا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ومعلوم أن من شروط الشهادة: العدالة، فهذه الأمة فيها العدالة، فيها العدالة التي هي من شروط صحة الشهادة، فيها العدالة والتوسط بين الطرفين الغالي والجافي.
فمُهِمَّتكم أن تحموا هذهِ الدعوة وأن تتعلموها أولًا، ثم أن تحموها من شُبهات المُضللين ومن كيد الجاهلين، ومن غلوِّ الغالين أيضًا؛ لأنهُ كما تعلمون قد يتسمَّى بهذهِ الدعوة من ليس من أهلها ويكونُ هذا جنايةً عليها، أنتم تعلمون من يتسمُّون الآن بأنهم على دعوة الشيخ، وهم ليسوا على دعوة الشيخ،
الشيخ منهم بريء ودعوتهُ بريئة منهم؛ لأنهم يخالفونها، إذا عرضت مذهبهم على دعوة الشيخ وجدتَ الفرق واضح بينَها وبين ما يُلصقُ بها، فهذهِ الدعوة ما قامت على طمعٍ سياسي ولا على طمعٍ مادِّي، وإنَّما قامت على التوحيد الخالص للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- من كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم-ضَمِنَ اللهُ لها البقاء؛ لأنَّها وسط بين الغالي والجافي ولأنها حق والحق يبقى، والله - جَلَّ وَعَلَا- يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) فالحق يبقى والباطل يزهق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) لا يبقى إلا الحق أبدًا، وهو ما كان على كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- هذا هو الذي يبقى ويستمر وينفع (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) .
يُذكر عن إبراهيم باشا القائد المصري الذي غزا هذه البلاد استولى على الدرعية وقام بنقل العلماء ونقلِ أيضًا كبار السن إلى مصر، نقلهم من بيوتهم في الدرعية وفي الرياض نقلهم إلى مصر، بأمرٍ من الدولة، يزعمون أن هذا فيهِ إنهاءٌ لهذه الدعوة، واقتلاعٌ لجذورها يزعمون هذا، ولكن لمَّا سُئل إبراهيم باشا هل هذهِ الدعوة انتهت؟ قال: لا،هذهِ الدعوة جذورها في الأرض ولا بُدَّ أن تعود.
وكما ترون والحمدُ لله يجري عليها مِحَن، لكن تبقى رغمَ المِحَن ورغمَ الشدائد تبقى؛ لأنها دعوةُ حقّ، ودعوةُ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- بل هي دعوة الرُّسُل من أوَّلِهِم إلى آخِرهم -عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- فهي تبقى وإن جرى عليها ما جرى أو يجري إلا أنها تبقى؛ لأنَّها مُرتكِزة على الكتابِ والسُّنَّة، وكلُّ شيءٍ يرتكز على الكتاب والسُنَّة فإنَّهُ يبقى بإذن الله، وأما الشُبُهات وأما المذاهب الشخصية كلها تزول، تصول ثم تزول، وتظهر هذه الدعوة بين الحين والآخر، ما ضرَّها ما جرى عليها ويجري، ما ضرَّها الشُبُهات التي تُلصق بها، ما ضرَّها من ينتسبُ إليها وهو ليس من أهلها يتبيَّن وينكشف والحمد لله، اللي ينتسبون لها وهم على غيرِ طريقِها ينكشفون ولله الحمد، لا يضرُّونها شيئًا وإنَّما يضُرُّون أنفسهم .
وهذهِ الدعوة لمَّا كانت أصيلة وقائمة على كتابِ الله وسُنَّةِ رسولهِ ثبتت وبقيت، وكانت هي الظل البارد لهذهِ البلاد والحمد لله، بينما الشعوب الأخرى تُتَخطَّف من حولنا، الله - جَلَّ وَعَلَا- حمى هذهِ الدعوة، وممَّا وفق الله لهُ هذه الدعوة أن وفق ولاة الأمور فخدموا الحرمين الشريفين، وقاموا بخدمة الحجيج، والمُعتمرين، والزوّار، وقاموا على خدمة الحرمين الشريفين ومن يقدَم إليهما حاجًّا أو مُعتمرًا أو زائرًا، فهذا بفضل الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهبهُ للقائمين على هذهِ الدعوة المباركة.
ونسألُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يُديم هذهِ النعمة وأن ينصُرَ هذهِ الدعوة وهي منصورة بإذن الله ولكن أن ينصرها على أيدينا وأيديكم، وإلا فهي منصورة، لو تخلينا عنها قيَّضَ اللهُ لها من يقومُ بها (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) فدينُ الله محروس ومحميّ بلا شك مهما تكالب الأعداء (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
فالحق واضح حتى الأعداء يعرفون أنهُ حق (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) كلٌ يعرفُ الحق لكن هناك من يُوفَّق لِقبولهِ والسيرِ عليه، وهناك من يُعرضُ عنهُ وهذا إنَّما يضرُّ نفسه ولا يضُرُّ الحق.
الحق باقي والدين منصور بنا أو بغيرنا، فالخوف علينا نحنُ إن أخللنا بالتمسُّك بهذا الحق، ويستبدلُ اللهُ بنا غيرنا، الله غنيٌّ عنّا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وإنَّما نحنُ الفُقراء إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولا عِزَّ لنا ولا بقاءَ لنا إلا بالله -سُبْحَانَهُ- ثم بهذهِ الدعوة المُباركة، لا أقول دعوة الشيخ فقط دعوة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- ؛لأن الشيخ إنَّما سار على ما ثبتَ عنِ اللهِ ورسولهِ في القُرآن والسُّنَّة، وكل من تمسَّك بهذا نصرهُ اللهُ وأعزَّه، وكُل من حادَ عنهُ أهلكهُ اللهُ وأنهى أثره، لا يبقى إلا الحق ولا يبقى إلا الصحيح، لكن الحق قد يُبتلى ويُمتَحَن ثم يظهر بعدَ ذلك، قال ابنُ القيِّم -رحمهُ الله- :
والدينُ منصورٌ ومُمتَحَنٌ فلا *** تعجب فهذه سُنَّةُ الرحمنِ
وفي الختام أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزَّ وجل- والتعلُّم الصحيح لهذهِ الدعوة وهذا موجودٌ بأيديكم في مُقرَّراتكم التي بأيديكم، فاقرؤوها وتمعَّنوا فيها ويظهرُ لكم ما فيها من الحق، ومن النور، ومنَ البركة؛ لأنَّها مُقرَّراتٌ اختارها لكم أئِمةُ الدعوة عن خِبرة ومعرفة بها.
فعليكم بالعناية بمُقرَّراتكم، تفَهَّموها، وتعقَّلوها، ثم قوموا بها،؛ لأن ما هو الإنسان يعني يكفي إنهُ يتعلَّم في نفسهِ ويعرف الحق في نفسهِ ويكفي، لا، لابد أن يقوم بالدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية عندَ هذهِ الآية : (بالصبرِ واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين).
الصبر على إيش؟ على الابتلاء، والامتحان، والشدائد، لابد من الصبر فيصبر؛ لأنهُ على حق مهما أصابه يعلم أنهُ على حق، وأن الشِّدَّة تزول، واعلم أنَّ النصرَ معَ الصبر وأنَّ الفرجَ معَ الكرب وأن مع العُسرِ يُسرًا.
الابتلاء والامتحان جرى على من قبلنا وأوذوا في سبيلِ الله وقاتلوا وقُتلوا، لكن الحق مُستمرٌ إلى يوم القيامة، ما دام القُرآن بينَ أيدينا وسُنَّة الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـَم- بين أيدينا فالحق باقي، إلى أن يُرفع هذا القُرآن في آخر الزمان، حينئذٍ يبقى الناس في جهل وضلال وليس بأيديهم شيء يهتدونَ بهِ .
إذا أراد الله إنهاء هذا العالم رفعَ الكتاب والسُّنَّة، وقبضَ العُلماء، ولم يبقَ إلا رؤوسٌ الجُهَّال يُسألون فيُفتونَ بغيرِ علم فيَضِلُّون ويُضِلُّون، هذا إذا أراد الله إنهاء هذا العالم، والله على كل شيء قدير وهو بكل شيءٍ عليم، كل شيء لهُ نهاية في هذهِ الدنيا لكن الشأن النهاية ما هي؟ الشأن ما هي النهاية؟
هلِ هي نهايةٌ حسنة أو نهايةٌ سيئة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والنصر والتوفيق ونسألُ الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِينَا مُحَّمَد وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.
_______________________________________________